
أحيا المجلس الإسلامي الشيعي الاعلى، اليوم الاول من محرم في مقره برعاية نائب رئيس المجلس العلامة الشيخ علي الخطيب وفي حضور حشد من علماء الدين والشخصيات والفاعليات السياسية والنيابية والقضائية والاجتماعية والإعلامية والمواطنين.
بعد تلاوة آي من الذكر الحكيم للمقرىء احمد المقداد، قدم الإحتفال الدكتور غازي قانصو مرحبا بالحضور، وقال: “في هذا اليوم الأول من محرم يفتتح سماحة العلامة الشيخ علي الخطيب نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى احتفالاتنا العاشورائية هذه. واسمحوا لي بتقديمه، انه من رجال العلم والأعلام عرف بسعة المعرفة والوعي، هو ممن يحملون مشاعل الهداية والفكر المستنير. يتميز بأخلاق سامية، وأدب رفيع، وحسن تصرف، استقى كل ذلك من مدرسة أهل البيت، وهذا ما اهتم به، وأكد عليه، ما يجعله قدوة مسؤولة قيادية يُحتذى بها في مجتمعنا، وسماحته لم يكن يوماً بعيداً عم هموم الناس وقضاياهم، بل كان دوماً في مقدمة المدافعين عن حقوقهم والساعين لتحقيق مصالحهم. يحمل في قلبه مشروع الوطن الذي يسعى من خلاله إلى بناء دولة المواطنة، حيث يتساوى الجميع في الحقوق والواجبات، بعيداً من أي تمييز”.
وتابع: “لقد حفظ سماحته إرث أسلافه بكل أمانة وإخلاص، لم يبدل ولم يغير، لا سيما الرئيس المؤسس الإمام القائد السيد موسى الصدر، حيث اكد على حفظ الأمانة ونقلها بأجمل صورة للأجيال القادمة. نراه دائماً في مقدمة الفاعلين بالخير، لا يفعل إلا جميلاً، ولا يسعى إلا للخير، برعاية المجلس ومؤسساته، وكل قضايا الوطن، لا سيما مقاومة الاحتلال. نسأل الله تعالى أن يبارك في عمره وعمله، وأن يجعله ذخراً لنا وللوطن، وأن يوفقه لكل خير”.
الخطيب
وألقى العلامة الخطيب كلمة قال فيها: “في لقاء جديد في هذا العام مع ذكرى عاشوراء ومناسبة رأس السنة الهجرية، نتذكر هجرتين، هجرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من مكة إلى المدينة لحفظ الدين ولنشر الدين وتبليغه، تبليغ الإسلام هذه الرسالة الإلهية العظيمة التي هي آخر الرسالات، والهجرة الثانية هي هجرة أبي عبد الله الحسين سلام الله عليه أيضاً من مكة إلى العراق، ولكنها هجرة الدفاع عن الدين، فالعلاقة بينهما علاقة متينة، ولذلك قيل صحيحاً أن الدينَ منشأه رسول الله صلى الله عليه وآله، وحفظه كان بشهادة أبي عبد الله الحسين، فالاسلام محمدي المبدأ والمنشأ وحسيني البقاء”.
وتابع: “عاشوراء ليست حدثاً كسائر الأحداث المحدودة في الزمان والمكان حتى تنتهي بانتهائها، وإنما هي حدث مرتبط فوق الزمان والمكان، لأنه مرتبط بمسيرة الإنسان في هذه الحياة وبسلوكه كما أراد الله سبحانه وتعالى، وهو أمر دائم وثابت وغير جامد. نحن اليوم حينما نجدّد ذكرى عاشوراء نهاجر هجرة عكسية، رسول الله هاجر إلى المستقبل إلى المدينة، والإمام الحسين هاجر إلى العراق، نحن اليوم نهاجر الى مكة، و الى مدينة رسول الله، ونهاجر الى العراق، الى كربلاء، و هل يصح أن يهاجر الإنسان إلى زمن الماضي ؟ ولكن، هنا الهجرة تصح ونعود الى الحسين، والى كربلاء ونعود الى المدينة، فالحدث لا يتكرر وحينما يقع ينتهي، ولكنه يبقى بمعانيه وأهدافه ومضامينه ومفاهيمه وقيمه، وهذه القيم التي دافع عنها الإمام الحسين هي قيم الإسلام وقيم الإنسانية وهي القيم الفطرية (فطرة الله التي فطر الناس عليها)، هذا يبقى على مر الزمان وفي كل مكان لإنه فوق الزمان والمكان. اذا، نحن نهاجر اليوم هجرة معاكسة للزمان”.
اضاف: “نعود إلى رسول الله وإلى الإمام الحسين اللذين هاجرا إلى الله سبحانه وتعالى، بتبليغ الدين وبالدفاع عنه، لنستعيد هذا الماضي إلى حاضرنا، ولذلك هذا الماضي كما ذكرت غير منفصل عن زماننا وفوق الزمان والمكان و نحن بحاجة إليه، بحاجة لنستعيد كربلاء ولنستعيد هجرة رسول الله دفاعاً عن القيم ودفاعاً عن الدين ودفاعاً عن الإسلام، في هذا الزمن الذي أصبحت مواجهة الباطل والشر حتمية. ومن هنا صح أن كل أرض كربلاء وكل زمان عاشوراء، لأن هذين الخطين خط القيم الإنسانية والمبادئ الإلهية في مواجهة خط الأنانية الحيوانية والركض وراء الشهوات والغرائز والمصالح” .
واكد ان “الحياة تصحُّ بهذه القيم وتستقرُّ بالقيم وبالمعارف الإلهية، ولكنها لا تستقرُّ مع الغرائز ومع المصالح سواءً كانت كبيرةً أو صغيرة، هذا الصراع بين هذين الخطَّين مستمر، ولذلك نحن اليوم نعيش مرحلةً من مراحل هذا الصراع بين القيم المادية الحيوانية وبين القيم الإنسانية والإلهية والفطرية، لأن الحياة التي عنوانها المصالح والصراع والحصول على القوة الغاشمة، لم يؤد إلا إلى مزيد من التعاسة للإنسانية والحروب والمشاكل والقتل والدمار الذي يتمثل اليوم أمامنا في ما نراه في فلسطين، فلسطين اليوم هي أهم ما سعت إليه كربلاء، والإمام الحسين الذي من أهدافه مواجهة الظالمين، ومواجهة البغي والعدوان والقتل والسحل والدمار، فلسطين اليوم هي واجهة هذا الصراع بين الإنسانية وبين اللاانسانية والحيوانية، بين الحق وبين الباطل بين العدالة وبين اللاعدالة والظلم، فلسطين اليوم هي تمثل واجهة الصراع بين أمتنا وبين هذا الغرب، و لا مصالحة بين هذين الخطين، ولا يمكن أن يكون هناك مصالحة بين هذين الخطين، ولهذا كان هناك غلبة ووحشية، كان هناك كسر للإرادة”.
وقال: “الغرب يتعامل بالقوة على قاعدة البقاء للأقوى، ولذلك حينما جنح شبابنا وأجيالنا في فترة من الفترات والظروف إلى هذا الغرب، يتطلعون اليه مصدّقين لشعاراته وأنه سوف ينشر العدالة والديموقراطية في بلادنا، مشوا مع هذا الخط وتأثروا به في الوقت الذي لم يفقهوا فيه الرسالة التي يحملونها التي هي رسالة خلاص البشرية التي لا تعتمد الصراع وانما تعتمد التعاون، وتعتمد القيم وتبغي العدالة الإنسانية لمواجهة الظلم والجور، كان هناك صورة للأسف انخدع بها شبابنا الذين تخرجوا خصوصاً من الجامعات الغربية أو حتى في جامعاتنا، جامعاتنا التي لم يُعرَّف فيها جيلنا على دينه، ولا ترى فيها برامج تُعرّف جيلَنا وأجيالَنا على حقيقة دينِه وثقافتِه وتاريخه، وإنما يُعملُ على محوِها من ذاكرة أبنائنا ليكونُوا فقط ناقلِين للثقافةِ الغربية والرؤيةِ الغربية وهكذا”.
واردف: “الآن إنكشفَ الغطاء، انكشف ما يحصل في فلسطين وما حصلَ من قبلِه في العراق وما حصلَ من قبلِه في لبنان وفي كل المنطقة العربية التي استثمر فيها الغرب طاقاتنا وخيراتنا وأبنائنا في سبيل تحقيقِ مشروعه للإستيلاءِ على هذه المنطقة الغنية والثرية والتي يُدرِك بحقيقة نفسه وأمره وفي مراكز دراساته أن الخطر الحقيقي الذي يواجهه هو في هذه المنطقة، ومن هذا الفكر ومن هذا الدين ومن هذا الإسلام، الذي يراه اليوم حقيقة ثابتة في المواجهة التي يخوضها أبناؤنا وتخوضها أمتنا بعد صراع جدلي حاولوا أن يدخلونا فيه في فتن طائفية تجاوزناها بحمد الله بوعي، وانطلقنا جميعاً في مواجهة هذا العدو اليوم الذي يقف العالم كله وراءه، وفي الحقيقة ان المعركة ليست مع ما يسمى بـ”إسرائيل” وإنما هي معركة في أساسها ثقافية مع الغرب، وأيضا إلى جانب ذلك المواجهة العسكرية والمواجهة الثقافية، استطعنا أن نتجاوز هذه المرحلة”.
وتابع العلامة الخطيب: “الحمد لله، نحن اليوم نحيي عاشوراء ليس هناك شعار سني وشيعي هناك مسلم، أيها الإخوة أقول لكم أن المسائل المذهبية هي مسائل إيمانية بين الإنسان وبين الله سبحانه وتعالى، لقد حسم أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب هذه المسألة يوم قال: “لأسلمن ما سلمت أمور المسلمين”. الأمة هي القضية المهمة اليوم، منذ ذلك الوقت وإلى الآن وهكذا كنا وكان مراجعنا الى جانب الأمة، وحينما تعرضت الدولة العثمانية وأكررها هنا لأن هذا يُنسى، حينما تعرضت الدولة العثمانية التي أذاقتنا المرّ حينما تعرضت للخطر وهجم عليها الأوروبي أفتى مراجعنا بوجوب الدفاع عن هذه الدولة حفظاً للأمة ولمصالح الأمة، في القدس في الحروب الإفرنجية، أتباع أهل البيت لم يعتبروا أنفسهم غير معنيين بهذه المعركة لأن سكانها لا ينتمون إليها مذهبياً وإنما اعتبروها معركتهم وخاض جبل عامل تحت قيادة الأيوبيين صلاح الدين الذي ذبحنا، خاضوا معركة تحرير القدس وهكذا في كل مفاصل تاريخنا كنا دائماً وبتوجيه من أئمة أهل البيت دائماً لا نعتبر أن لنا مشروعا خاصاً أو أننا منعزلون عن الأمة، أو أنه كما أرادوا وكما أراد النظام والأنظمة المتتالية لهذا الخط، خط أهل البيت عزله عن الأمة وتكفيره وقتله لأنه يشكل هذه الخطورة، واليوم يؤكد هذا المبدأ أهمية أتباع أهل البيت وصدقهم وإخلاصهم، هذا نهج كربلاء، الإمام الحسين ماذا قال؟ لم يخرج ليؤسس مذهباً وليدافع عن مذهب ولينفصل عن الدولة القائمة، قال: “لم أخرج أشراً ولا بطراً وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي“.
وقال: “هذه أمة رسول الله بسنيّها و بشيعيّها وبكل قومياتها، لذلك نحن جزء من هذه الأمة، في الاجتماع السياسي ليس لنا مشروع خاص، ليس هناك مشروع شيعي خاص، مشروعنا هو مشروع الأمة، نحن من جملة هذه الأمة ولكننا في الفداء وفي الدفاع عنها نكون في المقدمة، كما كنا بالأمس في مواجهة العدو الإسرائيلي واليوم في مساندة الشعب الفلسطيني، هؤلاء أخوة لنا، المسلم أخو المسلم شاء أم أبى، القضية الفلسطينية هي قضيتنا كما أكد عليها كل قادتنا وكل مراجعنا الذين كانوا يدعمون العمل الفدائي في مواجهة العدو الصهيوني وأفتوا بإعطاء الحقوق الشرعية للمقاومة كي تستطيع أن تقاوم هذا العدو، وأعطينا من أبنائنا وفلذات أكبادنا ومن بيوتنا ومزارعنا وأمننا وحياتنا، أعطينا للقضية الفلسطينية لأنها قضيتنا، لا نمنّ على الفلسطيني ولا نريد أجرًا على ذلك، إننا نريد أن يفهم المسلمون جميعًا أن العمل المذهبي هو عمل لتقسيم الأمة وشرذمتها والتآمر عليها لمصالح بعض الأنظمة ولمصالح أعداء الأمة بالدرجة الأولى، لذلك نحن اليوم في هذه المعركة التي نخوضها وتخوضها الأمة سواء في فلسطين في غزة في الضفة الغربية، في جنوب لبنان، في العراق، في اليمن. الأمة اليوم تتكامل ولله الحمد في هذه المعركة مع هذا العدو ومع الذين يقفون وراءه، ويسجلون لأول مرة هذا الحدث التاريخي ويهزمون العدو الذي يحتار اليوم كيف يخرج نفسه من هذا المأزق وكيف يسجل ولو انتصارا ظاهرياً صورياً لن يترك له المجال، وسيتحقق ان شاء الله الانتصار للقضية الفلسطينية، هذا من ثمار عاشوراء هذا من أهداف أبي عبد الله الإمام الحسين صلوات الله وسلام عليه، وحدة الأمة وحدة المسلمين في مواجهة أعدائهم والمحافظة على مصالحهم الإستراتيجية وكسر إرادة الشر التي هي ضد الإنسانية وضد كرامة الإنسان وضد كرامتنا، وضد ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا الذي سنُعيده ونُعيده الآن من جديد بإذن الله سبحانه وتعالى.
أعظم الله أجُوركم وشكر الله سعيكم والحمد لله رب العالمين والسلام على أبي عبد الله الحسين وعلى الأرواح التي أناخت برحله وعلى أولاد الحسين وعلى أنصار أبي عبد الله الحسين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته”



