
كتبت صحيفة “النهار”: على رغم معالم الانحسار النسبي للملفات الداخلية عن صدارة المشهد اللبناني، الذي بدا مستغرقاً في مراقبة ومتابعة “الحدث الغزاوي” وتقصّي ما يمكن أن يتركه من تاثيرات وتداعيات مباشرة على الواقع اللبناني، تعود الأولويات الداخلية الأكثر إلحاحاً إلى الواجهة مع معالم مشاورات بين أهل الحكم ستمليها طبيعة التحديات المتزاحمة. وإذ يقوم رئيس الحكومة نواف سلام اليوم بجولة في مدينة صيدا ستحضر فيها ملفات الإنماء والإعمار كما لن تغيب عنها استحقاقات السياسة، لخّصت أوساط وثيقة الصلة بالدوائر الرئاسية أبرز الاستحقاقات التي ستشغل الرؤساء والمعنيين في الفترة الطالعة بثلاثة ملفات، هي: الاستعداد اللبناني الذي لا بد منه لكل احتمالات الواقع الإقليمي الجديد خصوصاً في ظل ما أوحاه كلام رئيس الجمهورية جوزف عون قبل أيام عن موضوع التفاوض وعدم معاكسة لبنان لمسار المفاوضات، علماً أن هذا الاستحقاق لا ينفصل عن المخاوف المستمرة من استمرار التصعيد الإسرائيلي المنهجي سواء بالوتيرة الجارية حالياً أم بوتيرة أشد خطورة، واستعجال بت وحسم الخلاف المستحكم داخلياً ونيابياً حول موضوع قانون الانتخاب منعاً لأي مفاجآت سلبية من شأنها التاثير على إجراء الانتخابات النيابية في موعدها، وكذلك بت الملفات المالية التي لا تحتمل تاجيلاً وفي مقدمها الموازنة وإنجاز قانون الفجوة المالية في ظل ما سيعود به الوفد اللبناني إلى الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي في واشنطن من معطيات وأجواء لا تبدو بمجملها موحية بالتفاؤل.
وإذ يتوقع أن تشهد الأيام القليلة المقبلة تزخيماً في وتيرة المشاورات بين أهل الحكم، أشارت مصادر سياسية مُطلعة إلى أن حركة اتصالات تجري بين بعبدا والسرايا الحكومية وعين التينة، تتركز على إمكان عقد لقاء يجمع الرؤساء جوزف عون ونبيه بري ونواف سلام، يُخصص للبحث في ملف التفاوض الذي أثاره رئيس الجمهورية في كلمته منذ يومين. وقالت المصادر إن ملفاً على هذا المستوى من الأهمية لا بدّ من أن يكون موضع تشاور بين الرؤساء ليحددوا خريطة طريق موحّدة تسير البلاد في هديها، مشيرة إلى أن الحركة هذه ستتكثف في الأيام القليلة المقبلة لتواكب التحولات الاقليمية ومسار التسويات الذي انضمت إليه غزة، والذي لا يمكن أن يبقى لبنان خارجه كما قال الرئيس عون.
كما أن الدولة اللبنانية كما الكنيسة المسيحية ستنشغل بقوة بالاستعدادات لبرنامج زيارة البابا لاوون الرابع عشر للبنان في نهاية تشرين الثاني المقبل. وفي هذا السياق، رأى البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي أنّ البابا لاوون الرابع عشر يزور لبنان في أواخر تشرين الثاني في “زمن السلام”، على وقع مساعي التهدئة في المنطقة، وسيحمل إلى اللبنانيين رسالة “رجاء”.
وقال الراعي في مقابلة مع وكالة “فرانس برس”، أمس في بكركي، إنّ البابا لاوون الرابع عشر “سيحمل في زيارته إلى لبنان السلام والرجاء”.
أضاف: “أخذ البابا على عاتقه السلام وبرنامجه السلام. يأتي في ظرف توقفت فيه الحرب في غزة… ونعيش في لبنان وقفاً لإطلاق النار، رغم أن ثمة خروقات تحصل، أي أنه يأتينا في زمن السلام”، مشدّداً على أنّ “العناية الإلهية مهّدت له هذا الطريق ليصل في أفضل وقت وفي أجمل وقت”.
وفي السياق، اعتبر الراعي أنّ “زيارة البابا ستذكّر جميع اللبنانيين، مسيحيين ومسلمين، بمسؤوليتهم في الحفاظ على لبنان كقيمة بحدّ ذاته”.
وتابع: “قيمة لبنان في أن تحافظ كل فئة من فئاته على دورها وهويتها، العيش المشترك يعني أن للمسيحي هويته وللمسلم هويته. البابا لا يأتي ليقول اتركوا هويتكم بل عيشوا هويتكم”، موضحاً أنّ “هذا هو مفهوم لبنان لدى الفاتيكان، هكذا يفهمونه بتعدديته الثقافية والدينية”.
في غضون ذلك، عقد قبل ظهر أمس اجتماع للجنة الإشراف على تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار في رأس الناقورة، للمرة الأولى منذ اجتماع 7 أيلول الماضي، الذي شاركت فيه المبعوثة الأميركية مورغان أورتاغوس، فيما حضر اجتماع البارحة للمرة الأولى، الرئيس الجديد للجنة، الذي سيخلف مايكل ليني، ضمن آلية أميركية تقضي بتغيير رئيس اللجنة كل ستة أشهر.
وفي أول اطلالة له على الوضع اللبناني قبيل التحاقه بمنصبه في بيروت، حضر السفير الأميركي الجديد في لبنان ميشال عيسى احتفالاً أقامته السفارة اللبنانية في واشنطن على شرف الوفد اللبناني المشارك في اجتماعات صندوق النقد والبنك الدوليين في اجتماعات الخريف، والذي حضره ديبلوماسيون ورجال أعمال وفعاليات من الاغتراب اللبناني. وتحدث السفير ميشال عيسى، الذي أقسم اليمين يوم الثلاثاء في وزارة الخارجية الأميركية، وقال: “إن عودتي الآن ممثلاً للولايات المتحدة، البلد الذي فتح ذراعه لي ومنحني كل فرص النجاح، هو أحد أعظم شرف في حياتي. أنا ممتن للغاية للرئيس دونالد ترامب لمنحي هذه الفرصة التاريخية لخدمة الشعب الأميركي والمساعدة في دعم رؤية تجديدية وتقدمية للبنان. أملي والتزامي هو أن يساعد وجودي في لبنان في توجيه جميع اللبنانيين نحو مسار منطقي ووحيد نحو طريق الوحدة والاستقرار والتقدم. لأن جعل لبنان عظيمًا مرة أخرى ليس حلمًا، بل سيتطلب الأمر منا جميعًا، من داخل لبنان ومن خارجه، أن نعمل معًا بشجاعة وعقلانية وإيمان مشترك بإمكانيات البلد”.
إلى ذلك، حضرت قضية المفقودين والمخفيين في كلمة رئيس الجمهورية جوزف عون أمس خلال حفل قسم أعضاء الهيئة الوطنية للمفقودين والمخفيين اليمين أمامه في قصر بعبدا، فأكد أن “لبنان الجديد سوف يبنى على العدالة والحقيقة”، وأن قضية المفقودين والمخفيين قسراً “تتجاوز الانتماءات السياسية والطائفية، وبالتالي فإن الحق مقدس لكل عائلة في معرفة الحقيقة عن مصير أبنائها المفقودين”، داعياً جميع الأطراف المعنيين إلى التعاون والمساعدة وكسر جدار الصمت للمساهمة في كشف الحقيقة مهما كانت قاسية”. وأكد أن الدولة سوف تؤمن كل ما من شأنه تسهيل مهمة الهيئة التزاماً بالقانون الذي أنشأها، وجعلها هيئة مستقلة ولها ضمانات في عملها، فضلاً عن التزام لبنان بموجب الاتفاقات الدولية لحقوق الإنسان، وانطلاقاً من المهام الملقاة على عاتقها لا سيما لجهة الكشف عن مصير المفقودين والمخفيين قسراً وجمع المعلومات والوثائق وإنشاء قاعدة بيانات شاملة، والتعاون مع الجهات المعنية محلياً ودولياً، ودعم العائلات نفسياً واجتماعياً وقانونياً.
أما الجديد البارز الذي سجل في مسالة قانون الانتخاب، فتمثل في تطور ينتظر أن يترك ترددات واسعة، إذ بادرت وزارة الخارجية والمغتربين إلى إرسال مشروع قانونٍ معجّل إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء وطلبت إدراجه على جدول أعمال أول جلسة للحكومة. وتضمّن مشروع القانون طلب إلغاء المادتين 112 و122 من قانون الانتخاب المتعلقتين باقتراع المغتربين اللبنانيين واللتين تحصران تمثيلهم بست مقاعد مخصصة للاغتراب. وتضمّن مشروع قانون وزارة الخارجية إلغاء المادتين والسماح للبنانيين المقيمين في الخارج باختيار ممثليهم الـ128 في مجلس النواب بحسب دوائر قيدهم. وأفادت الوزارة أن خطوتها جاءت بعد تلقيها في الأسابيع الأخيرة عدداً من العرائض والرسائل، من عددٍ كبير من أبناء الجاليات اللبنانية حول العالم (برلين، ستوكهولم، أوتاوا، مونتريال، واشنطن، نيويورك، أبوجا، مدريد، لندن، ملبورن وباريس) يطالبون فيها بإلغاء المادتين المذكورتين ومنحهم حق الاقتراع بحسب دوائر قيدهم في لبنان.
كتبت صحيفة “الديار”: بدأت وتيرة الانشغال بالانتخابات النيابية المقرّرة في الربيع المقبل تتصاعد يوماً بعد يوم وتأخذ طابعاً حادّاً، بعدما ظهر أنّ المسألة باتت تربط بين الصراع السياسي والصراع الانتخابي، الذي كان يأخذ شكل المنافسة الانتخابية العادية. أمّا الآن فالشعار هو “من يُلغي الآخر” على الساحة السياسية، وليس فقط في ساحة النجمة، مع أنّ الرياح التي تهبّ على المنطقة تتجاوز بكثير اللعبة الداخلية التي لا تأثير لها قطعاً على مسار هذه الرياح.
وبينما لا يزال السجال يدور مكانه بالنسبة لتمثيل المغتربين اللبنانيين، بوجود تباين حاد في وجهات النظر، علمت “الديار” أنّ الذين يراهنون على المال الخليجي، وتحديداً المال السعودي، في تمويل “الحملات المجنونة”، سيواجهون صدمة حقيقية مع ورود معلومات موثوقة بأنّ الرياض ستقف على مسافة واحدة من كلّ الأطراف، باعتبار أنّ الأوضاع الحالية والمرتقبة في المنطقة لا تتحمّل أيّ انفجار سياسي أو طائفي على الساحة اللبنانية.
في غضون ذلك، تُعقد الاجتماعات السنوية للبنان مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في واشنطن، حيث قال خبير سابق في صندوق النقد الدولي لـ”الديار” إنّ تعامل الصندوق مع الحكومة اللبنانية يأخذ أبعاداً سياسية، وبخلفيات سياسية، لم يمارسها الصندوق إلّا مع البلدان التي تُعتبر “مارقة” في المعجم السياسي الأميركي. ملاحظاً أنّ ما يجري من جدل، سواء حول الإصلاحات المالية ومنها إعادة هيكلة المصارف اللبنانية ومعالجة الفجوة المالية، يعكس اتجاهاً واحداً، وهو إبقاء لبنان داخل الدوامة بانتظار أن تعطي واشنطن الضوء الأخضر لصندوق النقد. وهذا الأمر لم يحصل حتى اللحظة، ولن يحصل قبل أن يتأكّد الإسرائيليون من إزالة حزب الله من الخارطة السياسية اللبنانية.
بموازاة ذلك، سلّم لبنان اللوائح كاملة إلى الجانب السوري، مفصّلة بجميع الموقوفين والمحكومين في السجون اللبنانية، موزّعين وفقاً للتقسيمات التي وضعتها وزارة العدل والأجهزة الأمنية اللبنانية. وحول مسألة المتهمين السوريين بجرائم الإرهاب، يُجرى الحديث عن حلٍّ وسط يقضي بمحاكمتهم في لبنان على أن يقضوا فترة المحكومية في السجون السورية.
السجال حول اقتراع المغتربين وإلغاء المادة 112
بالعودة إلى الانتخابات النيابية، وبعد أن قدّم وزير الخارجية مشروع قانون معجّلا يطلب فيه إلغاء المادتين 112 و122 من قانون الانتخاب المتعلّقتين باقتراع المغتربين اللبنانيين واللتين تحصران تمثيلهما بستة مقاعد مخصّصة للاغتراب، أشارت “القوات اللبنانية” إلى أنّها اقترحت إلغاء المادة 112 سابقاً عن طريق جلسة تشريعية لمجلس النواب، إنّما ذلك لم يحصل، أو الذهاب إلى الحكومة لإلغاء هذه المادة، وبذلك يصبح المجلس النيابي مُلزماً بخيار تصويت المغتربين اللبنانيين لـ128 نائباً.
وفي هذا الصدد، أكّدت “القوات اللبنانية” أنّها ماضية في معركة تمكين المغتربين من المشاركة في انتخاب 128 نائباً.
ماكرون ودعم لبنان
في المقابل، إذا تمكّن الرئيس إيمانويل ماكرون من عقد المؤتمرين الخاصين بلبنان: الأوّل لدعم الجيش اللبناني بمهامه البالغة الحساسية والأهمية في ظلّ وضع مالي معقّد، ولا منفذ له حتى الآن، والثاني للنهوض بالبلاد وإعادة الإعمار فيها، فماذا يمكن أن تكون نتيجة هذين المؤتمرين إذا كانت المليارات العربية ستذهب لإعادة إعمار غزة لتغدو الأخيرة “ريفيرا الشرق الأوسط”، دون ذكر للبنان، وفقاً لما أكّد عليه الرئيس الأميركي أمام الكنيست؟
أمّا لبنان فلم يحصد من المؤتمرات السابقة سوى الملامات، بعدما لوحظ أنّ أوساطاً فرنسية مسؤولة تتوجّس بأنّ هناك قراراً إسرائيلياً، بامتدادات دولية، بإبقاء لبنان يتقلّب بأزماته السياسية والمالية دون حلّ قريب أو بعيد.
ترامب قدّم كلّ شيء لإسرائيل ولا شيء للبنان
في سياقٍ متّصل، لاحظت أوساط سياسية لبنانية بعيدة عن التأجيج السياسي والطائفي أنّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب قدّم في خطابه الثلاثاء الماضي أمام الكنيست، الذي رأت فيه صحيفة “يسرائيل هيوم” “الثلاثاء العظيم”، كلّ شيء لـ”إسرائيل”، ولا شيء للبنان. كما فتح ترامب لإسرائيل أبواب المنطقة، لا سيّما أبواب البلدان العربية الثرية، دون أن يفتح أمام لبنان سوى الباب الذي يمكن أن يؤدّي إلى حربٍ أهلية، إذا لم تُعالج الأمور بالحوار والتفاهم، إذ إنّ مسألة سلاح حزب الله ليست بالطارئة، كون هذا السلاح في نظر الحزب مسألة وجودية إذا ما أُخذت بالاعتبار نوعية وهوية الإعصار الذي يضرب المنطقة الآن.
خزائن العرب لمن؟
يُضاف إلى ذلك فتح الرئيس الأميركي خزائن الدول العربية أمام إعادة إعمار غزة، في حين أنّ كلّ هذه الخزائن ما زالت مقفلة أمام لبنان، حيث إنّ إعادة إعمار الجنوب باتت عاملاً أساسياً في إعادة بناء الدولة، إذ لا يمكن ترك مئات آلاف اللبنانيين خارج بلداتهم وأرضهم، حتى إنّ الإسرائيليين يمنعون نصب خيمة وسط أيّ بلدة من تلك البلدات الجنوبية التي تعرّضت للدمار الشامل.
مأزق السلاح وعدم تسهيل ترامب لمهمة الرئيس عون
أمّا النقطة الأكثر حساسية التي تشير إليها هذه الأوساط السياسية اللبنانية فهي أنّ ترامب، الذي أشاد بالرئيس جوزيف عون معتبراً “أنّ أشياء جيدة جداً تحصل في لبنان”، لم يقدّم أيّ ورقة أو أيّ تسهيل لعون لمساعدته على تفعيل الحوار مع قيادة حزب الله حول السلاح، كأن يدعو نتنياهو إلى الانسحاب من التلال الخمس التي لا معنى عسكرياً أو استراتيجياً لتواجد القوات الإسرائيلية فيها سوى الضغط على الدولة اللبنانية، أو وقف الاغتيالات التي تنفّذها “إسرائيل” في لبنان، وأيضاً الغارات الجوية الإسرائيلية التي تستهدف مناطق لبنانية.
ذلك أنّ تأليف اللجنة الدولية لمراقبة وقف إطلاق النار (“الميكانيزم”)، التي لم تلتزم بها “إسرائيل” يوماً، كانت خطوة شكلية لمراقبة وقف النار من جهة واحدة، بعدما لم تُطلق من الجانب اللبناني رصاصة واحدة منذ إعلان الاتفاق على وقف الأعمال العدائية في 27 تشرين الثاني عام 2024.
وترى الأوساط أنّ ترامب وضع الرئيس عون أمام مأزق حقيقي، بعدما حصر مهمّته في مسألة “نزع سلاح” حزب الله، من دون أن يقدّم بالمقابل أي ضمانات تكبح السياسات العدوانية التي يواصلها الائتلاف الحاكم في “إسرائيل” ضد الحزب، إلى حدّ السعي لإلغاء وجوده وتهديد بيئته الحاضنة بوضعها على حدّ السكين.
المصدر: الوكالة الوطنية