
كتبت صحيفة “الأنباء” الالكترونية: اللغة الضاغطة من قبل العدو الإسرائيلي على لبنان مستمرة، سياسياً وعسكرياً. ففي الوقت الذي تبرز فيه مؤشرات جدية حول قبول لبنان التفاوض غير المباشر مع هذا العدو، لم تصدر أي خطوة مقابلة منه لا سلباً ولا إيجاباً.
من جهته، شدد رئيس الجمهورية جوزاف عون على أن خيار التفاوض الذي دعا اليه لإنهاء الاحتلال الاسرائيلي في الجنوب وتداعياته “هو خيار وطني لبناني جامع، لكن إسرائيل لم تحدد موقفها بعد وتستمر في اعتداءاتها”، مطالباً كذلك بضرورة تفعيل لجنة المراقبة “الميكانيزم”.
وإذ يستند الرئيس عون في موقفه الى أن “لغة التفاوض أهم من لغة الحرب”، فإن ذلك يطرح العديد من التساؤلات، وفي مقدمتها، هل هناك موقف لبناني موّحد بالدخول في مفاوضات غير مباشرة مع إسرائيل، وتحديداً موافقة “حزب الله”؟ وهل فعلاً سنخرج من أتون النفق المظلم الذي كلف لبنان بشراً وحجراً ونتجه نحو الخلاص من الأزمات؟ وماذا عن صحة ما يثار في الأروقة السياسية عن عرض بقيمة 14 مليار دولار لإعادة الإعمار مقابل سلاح “حزب الله”؟
الرهان على بري
ويبدو أن التنسيق بين الرئيس عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري قائم في ملف التفاوض. وتفيد معلومات خاصة لـ “الأنباء الإلكترونية” بأن الرئيس بري “مفوّض” بالتفاوض من قبل “حزب الله”، وثمة توجهاً أو بداية قناعة تتكون لدى المعنيين في الملف اللبناني في واشنطن، بأن الحل لدى الرئيس بري، ولا بد من الحوار معه والرهان عليه، لا سيما أن هذه القناعة كانت فقط موجودة لدى الموفد الأميركي توم برّاك في مراحل سابقة من المباحثات.
وفي السياق، عبّر الرئيس بري أمس عن موقفه من المفاوضات، واصفاً لجنة “الميكانيزم” بـ “آلية”، مُحدثاً خرقاً في إمكانية “الاستعانة بأصحاب الاختصاص من مدنيين أو عسكريين إذا ما استدعى الأمر ذلك، على غرار ما حصل في ترسيم الخط الأزرق أو الحدود البحرية”.
من جانب آخر، شدد الرئيس عون أمس خلال استقباله وزير الدفاع الهولندي روبين بريكلمانز على أن لبنان التزم تطبيق اتفاق وقف النار، فيما “تواصل إسرائيل خرق الاتفاق وانتهاك القرارات الدولية، لا سيما القرار 1701″، داعياً الدول الأوروبية إلى لعب دور فاعل لإرغام إسرائيل على وقف اعتداءاتها والتجاوب مع الرغبة اللبنانية في الانسحاب من الأراضي التي تحتلها.
لا شك أن تصريحات الرئيس عون حول التفاوض مؤخراً كانت نقطة تحول في مسار الأزمة، لاسيما أنها نابعة من أن التفاوض هو الخيار الوحيد في الوقت الحالي أمام لبنان، “فهو أقل الشرور ويحد من التداعيات السلبية على لبنان، في ظل عدم الاستقرار في المنطقة، وحالة الجمود وتحديداً بما يتعلق بإعادة الإعمار”، بحسب ما قرأ مصدر لـ “الأنباء الإلكترونية” في مضمون تصريحاته.
وحتى الآن لم يصدر عن العدو الإسرائيلي أي رد أو تصريح مباشر وعلني، حول قبوله بمفاوضات مباشرة أو غير مباشرة. وفي هذا الصدد، رأى الكاتب والمحلل السياسي جورج علم في حديث لـ “الأنباء الإلكترونية” أن “إسرائيل تريد أن تنفذ خطتها تجاه لبنان عن طريق القوة متذرعةً بسلاح حزب الله”، متوقعاً أن “ترفض الحوار طالما الحزب متمسك بسلاحه وستستمر بالاعتداءات، فارضةً بذلك أمراً واقعاً على لبنان”.
وتوازياً، ثمة مخاوف وقلق مما يضمر رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو تجاه لبنان، من تصعيد الحرب التي لم تنتهِ بإتفاق وقف إطلاق النار، لتتعدى توجيه ضربات الى الحزب.
الى ذلك، ثمة من يتكهن حول توقيت أي عمل عسكري قبل زيارة الحبر الأعظم البابا لاوون الرابع عشر الى لبنان أو بعدها.
تقرير الجيش
وفي سياق متصل، تنعقد جلسة مجلس الوزراء غداً في القصر الجمهوري، وستعرض قيادة الجيش التقرير الشهري حول خطة حصر السلاح في يد الدولة. ومن المتوقع أن يتضمن تقرير الجيش ما تحقق من تطور في هذا المضمار في الجنوب، وما هي التحديات التي تواجهه في متابعة المهمة الموكلة اليه، واحتياجاته وخطته للمرحلة المقبلة، خصوصاً أن العد العكسي لتنفيذها قبل نهاية العام قد بدأ.
وتجدد مصادر سياسية السؤال عمّا إذا كان الجيش اللبناني سيزوّد بأسلحة وأنظمة دفاع جوي تمكنه من إسقاط المسيرات التي تغزو الأجواء اللبنانية، إسوة بما قامت به قوات “اليونيفيل” مؤخراً.
رسائل المصيلح
وعلى خط إعادة الإعمار، انطلقت أعمال اللقاء التنسيقي الأول “نحو إعادة الإعمار” في مجمع نبيه بري في المصيلح، برعاية رئيس مجلس النواب، ممثلاً بعضو كتلة “التنمية والتحرير” النائب محمد خواجة.
ورأى مصدر متابع أن الرئيس بري أطلق معركة إعادة إعمار الجنوب، فما حصل في المصيلح يحمل أكثر من إشارة ورسالة للداخل والخارج، أولها الإصرار على العودة الى الجنوب وإعماره ومسؤولية الدولة.
كتبت صحيفة “الشرق الأوسط”: تتعامل القوى السياسية مع دعوة رئيس الجمهورية، العماد جوزيف عون، للتفاوض على أنه خيار أوحد يشكل تقدماً في الموقف اللبناني، لتحريك الاتصالات لإلزام إسرائيل بتطبيق اتفاق وقف الأعمال العدائية.
وتؤكد مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط» أن الرئيس عون لم يجدّد دعوته للتفاوض لو لم يلق تأييداً من «الثنائي الشيعي»، لا يقتصر على رئيس المجلس النيابي نبيه بري، وإنما ينسحب على «حزب الله»، وإن كان مضطراً من حين لآخر، لرفع سقفه السياسي بتكرار استعادته لقدراته الدفاعية، على حد قول أمينه العام، الشيخ نعيم قاسم، في خطابه الأخير الذي يحاكي فيه بيئته الحاضنة لتبديد ما لديها من هواجس وتساؤلات، بامتناعه عن الرد على الخروق والاعتداءات الإسرائيلية.
فعون بدعوته للتفاوض يحظى بتأييد لا لبس فيه من «حزب الله»، وكل ما يقال بخلاف ذلك ليس في محله، كما يقول مصدر في «الثنائي الشيعي» لـ«الشرق الأوسط»، خصوصاً أن تواصله برئيس الجمهورية لم ينقطع، ويتولاه المستشار الرئاسي العميد المتقاعد أندريه رحال، الذي يلتقي أحياناً رئيس «كتلة الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد، أو من ينوب عنه في الفريق المكلف بتولي الحوار مع رئيس الجمهورية.
ولفت المصدر إلى أن «الثنائي» يقف وراء عون في خياره التفاوضي. وقال إن بري على توافق معه بتطعيم لجنة الـ«ميكانيزم» بفنيين إذا اقتضت الضرورة وعند الحاجة، وهذا ما تداول فيه مع الموفدة الأميركية، مورغن أورتاغوس، على غرار ما حصل في المفاوضات غير المباشرة بين لبنان وإسرائيل، برعاية الوسيط الأميركي آموس هوكستين، وأدت لترسيم الحدود البحرية.
ورأى مصدر سياسي أن لا خيار أمام «حزب الله» سوى التموضع تحت سقف دعوة عون للتفاوض. وأكد لـ«الشرق الأوسط» أن إسرائيل لم تجب عن دعوته، وأن لا مشكلة مع الحزب الذي كان أشاد، بلسان أمينه العام، بموقف الرؤساء الثلاثة، وبطلب عون من قيادة الجيش التصدي لمحاولات التوغل الإسرائيلي في المناطق المحررة.
وقال إن لبنان يراهن على أن دعوة عون من شأنها أن تؤدي إلى تفعيل الدور الموكل للجنة الـ«ميكانيزم» من جهة، وإلى تحريك الوسائط الدولية والإقليمية ومنها المصرية لإلزام إسرائيل بالانخراط في المفاوضات من جهة أخرى، في ضوء الاستعداد الذي أبداه مدير المخابرات المصرية اللواء حسن رشاد في لقاءاته بالرؤساء الثلاثة. وأمل المصدر بتجاوب الحزب مع الأفكار التي تداول فيها مع أركان الدولة بموازاة تواصله مع المسؤولين الإسرائيليين ليكون في وسعه بأن يبني على الشيء مقتضاه، لما لمصر من دور إلى جانب الولايات المتحدة الأميركية في إنهاء الحرب في غزة بين حركة «حماس» وإسرائيل.
وأكد المصدر السياسي أن الحزب باقٍ على تفويضه لبري الذي كان وراء التوصل، بوساطة أميركية، لاتفاق ترسيم الحدود البحرية، ولاحقاً لوقف النار في الجنوب، الذي تبنّته حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، ولم تلتزم به إسرائيل. وقال إن دعوة عون لم تكن لبنانية فحسب، بل تحظى بتفهّم عربي ودولي، على أمل أن تلقى التأييد المطلوب من الولايات المتحدة التي تتريث بتحديد موقفها، وإن كان هناك في الإدارة الأميركية من يدعو لمفاوضات مباشرة.
وكشف المصدر، نقلاً عن مسؤولين أميركيين، عن أن إسرائيل ما بعد هجوم «حماس» في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 على المستوطنات الواقعة في غلاف غزة، غير ما كانت عليه قبل حصوله، وهي تتّبع استراتيجية دفاعية جديدة تتيح لها مسبقاً إحباط أي تهديد لأمنها لحظة بدء التحضير له؛ لئلا تفاجأ كما حصل في غزة.
ونقل عن المسؤولين الأميركيين قولهم إن إسرائيل تربط التزامها بوقف النار بنزع سلاح «حزب الله»، بذريعة أنه هو من يخرقه بإصرار قيادته على استعادة قدراته العسكرية، وهو يواصل تهريبه السلاح من سوريا، وهذا ما تبلغته أورتاغوس من القيادة الإسرائيلية من دون أن تزودها بأدلة لتدعيم اتهامها للحزب، ولم يكن أمامها سوى إحاطة أركان الدولة بما سمعته في تل أبيب في هذا الخصوص.
ورأى المصدر نفسه أن لا بد من قيام لبنان بمروحة من الاتصالات الدولية والإقليمية تأييداً لدعوة عون، على أن تتلازم مع تواضع قيادة «حزب الله» وإقلاعها عن اتباع سياسة الإنكار والمكابرة ووقوفها خلف الدعوة الرئاسية، خصوصاً أن الحزب أول من وافق على وقف النار وتعاون مع الجيش بإخلائه جنوب الليطاني، امتداداً إلى البلدات الواقعة في شماله وتطل عليه، وتجاوبه مع الخطة التي وضعتها قيادته وأقرها مجلس الوزراء، وتنص على احتواء السلاح ومنع حمله أو استخدامه.
فالحزب يقف حالياً أمام استحقاق يتعلق باستكمال تطبيق حصرية السلاح، وهذا يتطلب من قيادته التكيّف بالتوجّه إلى بيئتها الحاضنة بخطاب تحاكي فيه الواقع انسجاماً مع المرحلة السياسية التي حلت بلبنان، بخلاف تلك التي قرر فيها الحزب منفرداً إسناده لغزة ودخوله في حرب مع إسرائيل أوقعته في مأزق سياسي لسوء تقديره لرد فعلها، وبالتالي بات على القيادة أن تطل على جمهورها بمراجعة نقدية، قاعدتها مخاطبة اللبنانيين بموقف جامع لطي صفحة الماضي والانخراط في مشروع الدولة.
فهل يصمد الحزب أمام موقفه بتأييده لعون؟ وأين تقف واشنطن من دعوته؟ فهل تلتقطها ويقرر الرئيس دونالد ترمب النزول بكل ثقله للضغط على إسرائيل، وإلزامها برعايته المباشرة للمفاوضات بالتوصل لاتفاق يعيد الاعتبار لوقف الأعمال العدائية ويعبّد الطريق أمام تطبيق القرار 1701 قبل انتهاء العام المقبل، وهو الموعد المحدد لـ«إعفاء» قوات الطوارئ الدولية «يونيفيل» من مهامها بتطبيقه، لئلا يتحول الجنوب مجدداً ساحةً للصراع بغياب من يملأ الفراغ بمنع إسرائيل الجيش من توسيع انتشاره حتى الحدود الدولية؟
لذلك يتطلع عون بدعوته لإبقاء لبنان مدرجاً على لائحة الاهتمام الدولي، في مقابل مضي حكومة الرئيس نواف سلام لتقديم أوراق اعتمادها لأصدقائه على المستويين العربي والدولي وليس بيدها رأسمال، بالمعنى السياسي، سوى احتضان المؤسسة العسكرية وتدعيمها عديداً وعتاداً، إصراراً منها على تطبيق حصرية السلاح الذي لا عودة عنه، ويتطلب من الحزب التجاوب بعيداً عن حسابات خارجية لعلها، من وجهة نظره، تعيد الاعتبار لدور إيران في الإقليم.


