
نظَّم المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في فرعه في بيروت، بالتعاون مع الجمعية اللبنانية للدراسات العثمانية”، حلقة نقاشية بعنوان: “اقتصاد المناطق اللبنانية في القرنين السادس عشر والسابع عشر”، ضمن سلسلة ندوات “لبنان في القرنين السادس عشر والسابع عشر”، شارك فيها أستاذ التّاريخ الوسيط في الجامعة اللبنانية والمتخصص في العلاقات بين أوروبا والشرق في القرون الوسطى الدكتور بيار مكرزل، والأستاذ في الجامعة اللبنانية والجامعة اليسوعية الدكتور بطرس لبكي، في حضور مجموعة من الباحثين والأساتذة الجامعيين، والمهتمين بالدراسات العثمانية، وتم بث فعالياتها مباشرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة في المركز العربي للأبحاث – بيروت.
زيادة
افتتح الندوة وأدارها مدير المركز في بيروت الدكتور خالد زيادة، معرفا بالجمعية اللبنانية للدراسات العثمانية، وإصداراتها في ما يتعلق بلبنان. وأكد “أن الحقبة التي تتناولها ندوة اليوم حقبة طويلة تناولت بعض مراحلها أبحاث سابقة، ولا سيما فترة المعنيين، وطرفًا من الفترة الشهابية، ولكن الدراسات حول القرنين السادس عشر والسابع عشر ما زالت قليلة مقارنة بالدراسات التي تناولت القرنين التاليين، الثامن عشر والتاسع عشر”.
ورأى أن “التحول إلى دراسة الوثائق، ولا سيما الوثائق المحلية مثل السجلات الشرعية ووثائق عثمانية من نوع “طابو دفتري”، أو وثائق ومصادر أوروبية إيطالية وغيرها”، غيّر كثيرًا من نظرة الباحثين وفهمهم للمراحل السابقة التي طالما اعتمدت على كتب المذكرات والحوليات، إذ لا يمكن أن نفهم تاريخ المناطق اللبنانية دون أن ندرك أو نحيط بالتطورات التي عرفتها الدولة العثمانية خلال هذه الحقبة الطويلة التي تشمل قرنين من الزمن”.
مكرزل
ثم تحدث الدكتور مكرزل، مشيرا الى بحثه بعنوان: “التجّار البنادقة في طرابلس من خلال رسائل التاجر أندريا برنغو 1555-1556″، والذي جاء منسجمًا مع طرح الدكتور زيادة من حيث تحول المتخصصين إلى دراسة الوثائق، ومنها رسائل التاجر البندقي برنغو، والتي هي في مجموعها حوالى 300، منها (87) رسالة كتبها وأرسلها من مدينة طرابلس، وهي موجودة في أرشيف مدينة البندقية.
وأشار الى أن “هذه الرسائل تساهم في فهم أسباب تراجع النشاط التجاري البندقي في الدولة العثمانيّة في منتصف القرن السادس عشر، وتسلط الضوء على النشاط الاقتصادي للتجّار البنادقة في طرابلس، وعلى موقفهم من السلطات الحاكمة في المدينة، وبروزها كميناء رئيسي لمدينة حلب، التي كانت المركز التجاري الأوّل في بلاد الشام، ومن ثم أسباب تراجع النشاط البندقي التجاري في المنطقة وانحساره، وانقطاع حركة الخط التجاري البحري بين البندقية وبيروت وطرابلس منذ منتصف القرن السادس عشر (1555-1560)، معتبرا “أن مثل هذه الوثائق تساعد على إعادة رسم الإطار التاريخي لمجموعة من الأحداث التي طبعت تلك الحقبة”.
لبكي
من ناحيته قدَّم الدكتور لبكي، في ورقته بعنوان: “اقتصادات المقاطعات اللبنانية وتفاعلها مع العالم في عهد المعنيين” ملخصًا عن اقتصاد المنطقة ما قبل الحقبة العثماني، مؤكدًا الحقيقة التاريخية أنها كانت مركزًا لتبادل السلع بين قارات العالم القديم (آسيا، أفريقيا، وأوروبا) سواء في الفترة الفينيقية أو الرومانية، حيث “كانت أوروبا مصدرًا للمواد الأولية، بينما كانت منطقتنا مصدرًا للمواد المشغولة. وبقيت الحالة كذلك حتى الفتح العربي ونمت التبادلات التجارية في فترة الحروب الصليبية”.
وأشار إلى “حقيقة مفادها أن العثمانيين، بعد سيطرتهم على المنطقة “سعوا للمحافظة على النشاط الاقتصادي الزراعي والحرفي في المنطقة”. وفي هذا الإطار كان سعي فخر الدين المعني الثاني، الذي عمد إلى توسيع نطاق حكمه، إلى إنشاء بنية تحتية للنقل والتخزين، وذلك بتنظيم أربع طرق تجارية تنطلق من صيدا، عاصمته الاقتصادية. كما “سعى إلى تحفيز النشاط التجاري للأوروبيين وأدخلهم إلى مدن الإمارة المعنية، وعقد اتفاقات تجارية مع توسكانا وطور التبادل التجاري معها”. غير أن تخلص العثمانيين منه (1633) وسيطرتهم المباشرة على الحكم والاقتصاد، أضعف النشاط الاقتصادي في المناطق التي كانت خاضعة لحكمه”.
واختتمت الندوة بمداخلات من الحضور.