تدريجياً، تنتقل معركة طوفان الأقصى والردود عليها إلى مراحل جديدة. بالطبع، إن هذه المراحل لا تتعلق فقط بالتدرج العسكري والتصعيد المحتمل في الداخل الفلسطيني، أو على الحدود الجنوبية للبنان. تبقى المسألة متعلقة بالاستراتيجيا، وفي اللعبة السياسية والإعلامية التي أصبحت تديرها الولايات المتحدة الأميركية، وإدارة الرئيس جو بايدن بشكل مباشر.
عملياً، فإن الموقف الذي أطلقه الرئيس الأميركي ويظهر فيه دعماً كاملاً ومطلقاً لإسرائيل، هو التزام تاريخي في توفير الحماية لها. إلا أن أخطر ما قاله بايدن هو وصف حركة حماس وتشبيهها بتنظيم داعش. وهذا الكلام لو كان جدياً أو فعلياً، فيهدف من خلاله إلى دعم العملية الإسرائيلية والدخول الأميركي المباشر في عملية القضاء على حماس.
القضاء على حماس؟
هذا الهدف يبدو من المستحيل تحقيقه، نظراً لقدرات حماس ولتمركزها والشعبية التي تحظى بها. وطالما تم وصف عملية طوفان الأقصى من الجانب الإسرائيلي بأنه عملية “11 أيلول اسرائيلية”، إلا أنه لم يخرج أي طرف أو دولة أو منظمة إسلامية لإدانة حماس، بخلاف التعاطي الإسلامي والعربي مع أحداث 11 أيلول. إذ تمت إدانة العملية والتضامن مع أميركا. وهذا يعني أن في الرأي العام العربي متضامن بوضوح مع غزة ومع حماس. بينما في المقابل، هناك تعاطف دولي وعالمي كبير مع إسرائيل. إذ يتم التركيز على العمليات التي ارتكبتها حماس ضد “المدنيين”. وانطلاقاً من هنا، يتم التحشيد السياسي والعسكري والإعلامي ضد حماس في محاولة لضربها أو تفكيكها، كما يعلن المسؤولون الإسرائيليون.
في هذا السياق، يسعى الأميركيون إلى اعتماد أكبر قدر من التصعيد السياسي والعسكري ضد حماس، وربما ضد القضية الفلسطينية ككل، وحتى ضد حلفاء حماس في محور المقاومة. هنا ثمة من يعتبر أن بايدن يلجأ إلى هذا التصعيد لإعادة توثيق علاقة أميركا بإسرائيل من جهة، ومراعاة الرأي العام الأميركي من جهة أخرى، لا سيما أنه سيخوض الانتخابات الرئاسية بعد أشهر من الآن.
استكمال هذه النظرية، يقود فيما بعد إلى أن الأميركيين سيمنحون فرصة ووقتاً ودعماً لإسرائيل بتنفيذ أقسى أنواع العمليات العسكرية ضد حركة حماس وقطاع غزة، وبعدها يتم ترك المجال للمفاوضات التي ستقودها دول عديدة، خصوصاً في ظل بعض القناعات العسكرية عن أن إسرائيل لن تكون قادرة على اقتحام غزة ولا السيطرة عليها، ولن يتم السماح لها بتهجير الفلسطينيين. وإلا فإن المنطقة ستكون أمام حرب إقليمية، لأن جبهات أخرى ستفتح بوجه اسرائيل.
من سيفاوض؟
وفي حال صحت وجهة النظر هذه، فذلك سيؤدي إلى تكريس معادلة مفادها أن أميركا وإسرائيل لا تريدان خروج إيران رابحة من المعركة. بينما الدخول الأميركي المباشر يعني الاعتراف بقدرات إيران وحلفائها في المنطقة، لا سيما بعد الكلام الذي أطلقه مسؤولون أميركيون عن أن إرسال حاملة الطائرات والمدمرات العسكرية البحرية هدفها ردع إيران وحزب الله. بناء على هذه الوقائع، فإن ذلك في النهاية سيقود إلى مرحلة جديدة يجري التأسيس لها، ستكون فيها حماس هي الطرف الأقوى فلسطينياً، ولإيران يد عليا في المنطقة، انطلاقاً من الذهاب للجلوس على الطاولة بشكل مباشر، وربما لا تكتفي إيران وحدها بالجلوس على الطاولة، إنما ستكون حماس حاضرة، وحزب الله أيضاً.
أما في حال لم تصح وجهة النظر هذه، وكان الدعم الأميركي والغربي لإسرائيل مطلقاً وجدياً في تحقيق أهداف عسكرية، ويكون التدخل الأميركي هدفه تدعيم تحقيق الأهداف.. فإن هذا يمكن أن يؤدي إلى توسيع رقعة المعارك والجبهات. خصوصاً أنه في حينها لا يمكن لحزب الله ولا لحلفاء إيران الآخرين الوقوف على الحياد، وسينخرطون أكثر في الصراع. وهذا يعني شمول المعركة جبهات متعددة، لتتطور الأمور إلى ما يشبه الحرب الإقليمية.
ثمة مسألة أخرى لا بد من التوقف عندها بعناية، وهي الجمع بين الجنون الإسرائيلي والإستشراس في الانتقام، المعطوف على مواقف يطلقها نتنياهو وغيره من المسؤولين حول تغيير واقع الشرق الأوسط. فهذا إذا ما ربط بالتدخل الأميركي، وبمحاولات غربية لشيطنة حماس ومحور المقاومة ككل، يمكن أن ينجم عنه حصول استهدافات إسرائيلية وأميركية لقوى أخرى في محور المقاومة، من أجل تحقيق أهداف استراتيجية لتغيير المعادلات والسعي إلى إضعاف إيران في المنطقة. ولكن ذلك يبقى غير مضمون أيضاً. إذ أن تجربة العام 2006 لا تزال ماثلة في الأذهان.
منير الربيع – المدن
1 2 دقائق