ادى نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى العلامة الشيخ علي الخطيب الصلاة في مقر المجلس والقى خطبة الجمعة التي قال فيها: بسم الله الرحمن الرحيم الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله الطيبين الطاهرين واصحابه المنتجين
في كُل لَيلَة مِن شهر رَمَضان بدعاء الافتتاح: “اللّهُمَّ إِنِّي أَفْتَتِحُ الثَّناءَ بِحَمْدِكَ، وَأَنْتَ مُسَدِّدٌ لِلصَّوابِ بِمَنِّكَ، وَأَيْقَنْتُ أَنَّكَ أَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فِي مَوْضِعِ العَفْوِ وَالرَّحْمَةِ، وَأَشَدُّ المُعاقِبِينَ فِي مَوْضِعِ النِّكالِ وَالنَّقِمَةِ، وَأَعْظَمُ المُتَجَبِّرِينَ فِي مَوْضِعِ الكِبْرِياءِ وَالعَظَمَةِ”.
“اللّهُمَّ أَذِنْتَ لِي فِي دُعائِكَ وَمَسْأَلَتِكَ، فأَسْمَعْ ياسَمِيعُ مِدْحَتِي، وَأَجِبْ يارَحِيمُ دَعْوَتِي وَأَقِلْ ياغَفُورُ عَثْرَتِي، فَكَمْ ياإِلهِي مِنْ كُرْبَةٍ قَدْ فَرَّجْتَها، وَهُمُومٍ قَدْ كَشَفْتَها، وَعَثْرَةٍ قَدْ أَقَلْتَها، وَرَحْمَةٍ قَدْ نَشَرْتَها، وَحَلْقَةِ بَلاٍ قَدْ فَكَكْتَها”.
“الحَمْدُ للهِ قاصِمِ الجَبَّارينَ، مُبِيرِ الظَّالِمِينَ، مُدْرِكِ الهارِبِينَ، نَكالِ الظَّالِمِينَ، صَرِيخِ المُسْتصرِخِينَ، مَوْضِعِ حاجاتِ الطَّالِبِينَ، مُعْتَمَدِ المُؤْمِنِينَ”.
“اللَّهُمَّ إنَّا نُؤْمِنُ بِكَ وَنَتَوَكَّلُ عَلَيْك”.
(أَنتَ وَلِيِّنا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۖ تَوَفَّنِا مُسْلِمًين وَأَلْحِقْنِا بِالصَّالِحِينَ).
أيها الأخوة والاخوات المؤمنون والمؤمنات السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وأتوجّه بالتحيّة للمقاومين الابطال في غزة الذين يخوضون معركة الشرف والبطولة ضد عدوّ محتل غاصب للأرض ، إرهابي قاتل للنساء والاطفال يرتكب المجازر ضد المدنيين الأبرياء ويستهدف المؤسسات المدنية والبيوت الآمنة بالطائرات وآلة الحرب الرهيبة وأشدّ الأسلحة فتكاً ودماراً وخراباً، ويحاصر المدنيين مانعاً عنهم الطعام والماء والكهرباء، ويهدّد بإبادة الشعب الفلسطيني في غزة، يرتكب هذه الجرائم الانسانية الرهيبة بدعم من الدول الغربية التي تظهر نفاقها في الشعارات التي ترفعها مُدّعية الدفاع عن حقوق الانسان ومحاربة الارهاب فيما هي تقوم اليوم بأفظع الجرائم ضد الانسانية بالدفاع عن الهمجية الصهيونية وارتكاباته بأسلحة فتاكة، سارع الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية بتزويده بها وتغطيته سياسياً واعلامياً وعسكرياً بل أكثر من ذلك إلى ما يشبه تشكيل قيادة جبهة للقتال ضد الأمة عبر حرب غزة وإرسال حاملات الطائرات وتزويد العدو بالذخائر في محاولة للترهيب عن تقديم الدعم والمساندة لأبناء شعبنا الفلسطيني في غزة في محاولةٍ لعزلها والاستفراد بها والتخلّص منها لإنهاء القضية الفلسطينية وتأمين الكيان الصهيوني الإرهابي وترسيخ هيمنته المطلقة على العالم العربي والإسلامي لنهب ثرواته وتقطيع أوصاله مستفيدة من الواقع الرسمي العربي والإسلامي المريب والمعيب، الذي دخل للأسف في حسابات صراعات مصالح الانظمة الخاصة التي ضَيَّعت مصالح الأمة الاستراتيجية باستخدام المذهبية السياسية كي تحول دون بلوغ الأمة هذه المرحلة التي تُعبّر عنها اليوم قوى المقاومة من وحدة الساحات ووحدة المعركة التي هي معركة الأمة وليست معركة مذهب أو فصيل منها، التي ما زالت بعض الانظمة تُصنّف المعركة أنها تقاد لمصلحة بعض الانظمة استمراراً في النهج الخاطيء وتُروّج له عبر أدوات اعلامية الذي لا يخدم سوى العدو الاسرائيلي ومصالح الغرب المنافق، بينما المفروض ان جميع الدول العربية والاسلامية يجب أن تكون جميعها في خدمة قضايا الامة وأن تقف جميعاً متوحّدة وأن تُسخِّر جميع إمكانياتها في هذه المعركة التي يمكن أن تكون فاصلة في حياة الأمة لعقود من الزمن بل وربما إلى الأبد.
والأخطر أن يكون ذلك في هذا الوقت بالذات الذي يستخدم فيه العدو كل أساليب الكذب والتضليل الإعلامي للرأي العام العالمي لتشويه سمعة المقاومة ولتبرير ما يقوم به العدو ومن يدعمه من مجازر رهيبة بحق أبناء الشعب الفلسطيني الأعزل والمحاصر.
إنّ الفرصة لم تفت وعلى الدول العربية أن تقوم بواجبها ولو في حدّه الأدنى من العمل على إيقاف هذه المجزرة الرهيبة والدفاع عن الشعب الفلسطيني في غزة عبر المحافل الدولية والتهديد بقطع العلاقات الدبلوماسية والتجارية بما فيها إعادة التجربة بوقف تصدير البترول إليها كما سبق للمملكة العربية السعودية بقيادة الملك فيصل رحمه الله أن استخدمته كسلاحٍ في حرب تشرين المجيدة وكُتِبَ لها شرف هذا الموقف العروبي والإسلامي الذي لا زال العرب والمسلمون يذكرونه لها إلى اليوم وسيبقى إلى يوم القيامة، وهي اليوم قادرة على اتخاذه بما لها من موقع مهم ومؤثّر سيُخلّده التاريخ تكبرها وقيادتَها الامةُ فيه مدى الزمن، ويكون يوماً من أيام الله وقد سبق أن اتخذت موقفاً منسجماً مع مصالحها حين لم ترضخ لتهديدات الولايات المتحدة عندما قرّرت تخفيض انتاج البترول وطُلِب منها التراجع عن هذا القرار.
ومن المضحك أن يُصنّف رئيس الولايات المتحدة الأمريكية وقادة العدو بالأمس المقاومة بأنها داعش وهم من صَنَعَ داعش باعتراف وزير خارجية الولايات المتحدة، وقتل العدو الاسرى واتهموا المقاومة بقتل الاسرى وأرهبوا المدنيين واتهموا المقاومة بقتل المدنيين وهو ما ينطبق عليه المثل المعروف (رمتني بدائها وانسلت)، فقد اخترعتها الولايات المتحدة لضرب المقاومة حماية لإسرائيل والآن لنفس الهدف تُتهم بها المقاومة لتأليب الرأي العام العالمي عليها ولتبرير المجازر التي تُرتكب بحق الشعب الفلسطيني.
فأيُّ نفاق هذا النفاق، إنه عالَم فاقد للقيم والاخلاق، وعالَم ظالم فاقد للعدالة لا يعرف إلا مصالحه ولا قيمة للانسان والانسانية لديه كما لا يعترف الا بموازين القوة ولا يخضع الا للقوة المادية.
ولكننا أمة مؤمنة بالله وإنه العزيز المقتدر، وإنّ موازين النصر هي بالانتصار للحقّ والمظلوم وبالوقوف ضد الظلم والقهر وقد وعدنا بالنصر فقال عز وجل: (إن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) (وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ)، (اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).
إنّ النصرَ أيها الأخوة صبر ساعة ولكنه مشروط بالتقوى ووحدة الموقف اليوم خلف المقاومة الفلسطينية في مواجهة طغيان وغطرسة القوة المتمثّلة بالعدو الصهيوني ومَن خَلفه من أعلى درجات التقوى، (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ).
وقد جرّبنا هذه العدو في لبنان وأذلته مقاومتنا البطلة واليوم ترينا المقاومة الفلسطينية هشاشة جيشه وقد اجتاحت كل حواجزه وأسواره وأسلحته ودباباته وطائراته التي اختبأ خلفها واستقوى بها، (فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ).
وها هم على حدود جبل عامل يخافون من ظلّهم، يحسبون كل صيحة عليهم ويوجّهون لبعضهم السلاح ظنّاً منهم انه العدو يحسبون كل صيحة عليهم من الجبن والخوف، فهل سيقاتلون بهذه المعنويات المفقودة؟.
إنّ على الامة اليوم أن تقف إلى جانب الشعب الفلسطيني المظلوم صفاً واحداً وقولاً واحداً ويُقدّم الدعم المادي والمعنوي للشعب الفلسطيني الذي يمثّل كرامتنا وعزتنا وهو يتحمّل عن الأمة كل أثقال المواجهة.
وإنّ على العالم أن يتحمّل مسؤوليات وتبعات ما قد يحصل إن لم يوقف آلة حرب القتل الهمجية الإسرائيلية، كما أن هذا الوضع يلقي على اللبنانيين جميعاً مسؤولية خاصة لأن لبنان ليس جزيرة معزولة، وما حصل في سوريا وما زال يجب أن يكون عبرة للبنانيين وألا تُكرّر القوى السياسية الاخطاء التي ارتكبتها وأدى ذلك إلى الانقسام الداخلي في كيفية التعامل معها ونتائج خطيرة تهدد بقاءه ولا يعرفون كيفية الخروج منها حينما أصغوا الى الاملاءات الدولية وانخرطوا في مشروع التآمر على سوريا وتسبّبوا في وقوع لبنان في مأزق النزوح السوري وتآمر المجتمع الدولي في منع النازحين السوريين الى بلدهم وحجب المساعدات عن لبنان الذي ينوء تحت عبء وجودهم، مما أوقعه في شرّ اعمال الذين انصاعوا لإرادة المتآمرين على سوريا والمنطقة، وانخرطوا في مشروعهم ولم يتعظوا من أفغانستان الذين استخدموا عملاءهم ثم تركوهم لمصيرهم.
لذلك المطلوب اليوم تدارك الامر والإنصات لصوت العقل وترتيب وضعنا الداخلي قبل ضياع الفرصة بالتوافق على انتخاب رئيس للجمهورية وتفعيل المؤسسات الدستورية حتى يتمكّن لبنان من التعامل مع تداعيات المرحلة وما يحدث من العدوان الاسرائيلي على غزة.
إنّ الظروف الخطيرة التي تحيط بالمنطقة ولبنان تفرض على اللبنانيين جميعاً توحيد الموقف والخطاب والرؤية للتعامل مع هذه الأخطار بما يتناسب معها، ولا يجوز أن يُظْهِر اللبنانيون انقسامهم أمام العالم والعدو مما يضعف الموقف اللبناني ويُجَرِّأُ العدو الصهيوني على العدوان، ولتكن التجربة العربية والفلسطينية الرسمية في التعاطي مع العدو والاتفاقيات التي سُمّيت باتفاقيات السلام التي لم تحقّق لهم أمناً ولا سلاماً واستغلها العدو لمزيد من توسيع الشرخ وإيجاد الفتن بين دولها وشعوبها، وإنّ الذين فرضوا هذا الخيار على الشعوب العربية لم يجنوا من كل ما ادعوه لصالح الامة سوى السراب والخراب، بل إن المستفيد الوحيد كان الكيان الصهيوني وازدياد الانهيار في الوضع العربي والفلسطيني وأثبت أن هذا العدو لا يلتزم بالعهود والاتفاقيات ويستغلّها لتحقيق المزيد من التوسع بينما يُلزَم الجانب العربي بها ولا يستطيع التفلت منها.
وقد أثبتت المقاومة صحة رؤيتها وقدرتها على المواجهة وتحقيق الانتصارات لصالح شعوب المنطقة كما يحصل في غزة والمقاومة في لبنان التي حقّقت الانتصار على العدو وحرّرت الارض والردع في مواجهته لصالح الشعب اللبناني وليس لصالح فئة أو طائفة أو مذهب، وإنّ التخويف الذي تعمل على إشاعته بعض القوى السياسية ليس إلا لمصالح فئوية ومن نتائج التطييف والتمذهب السياسي الذي هو أكبر معوقات النهوض العربي والإسلامي، ولبنان واحد منها.
إنّ الوقت الآن ليس للمماحكات السياسية واللبنانيون أحوج ما يكونوا لتوحيد الموقف ليبقى لبنان عزيزاً مقتدراً ومستقلاً، ومن المؤسف أن يحسب بعض القوى انتصار المقاومة على العدو الصهيوني خطراً عليه.
وهل ان ما نشهده من تسخير بعض الاعلام اللبناني من التشكيك بقوى المقاومة وإثارة الرأي العام ضدها يخدم المصلحة اللبنانية أم يخدم العدوان الإسرائيلي؟ ويشاركه في الجرائم والمجازر التي يرتكبها بحق أطفال ونساء الشعب الفلسطيني وهدم بيوته فوق رؤوس ساكنيها؟.
إنّني أدعو هؤلاء إلى وقفة مع ضمائرهم والاعتبار من تجارب الذين رأيناهم بالأمس القريب في أفغانستان الذين تخلّى عنهم من استخدموهم وتُركوا في موقف خزي أمام شعبهم أو تعلّقوا بالطائرة لتخليص أنفسهم فقُذفوا من علوّ ولم يجدوا من يدفنهم.
“اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِهِ، وحَصِّنْ ثُغُورَ الْمُسْلِمِينَ بِعِزَّتِكَ، وأَيِّدْ حُمَاتَهَا بِقُوَّتِكَ، وأَسْبِغْ عَطَايَاهُمْ مِنْ جِدَتِكَ”.”اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِهِ، وكَثِّرْ عِدَّتَهُمْ، واشْحَذْ أَسْلِحَتَهُمْ، واحْرُسْ حَوْزَتَهُمْ، وامْنَعْ حَوْمَتَهُمْ، وأَلِّفْ جَمْعَهُمْ، ودَبِّرْ أَمْرَهُمْ، ووَاتِرْ بَيْنَ مِيَرِهِمْ، وتَوَحَّدْ بِكِفَايَةِ مُؤَنِهِمْ، واعْضُدْهُمْ بِالنَّصْرِ، وأَعِنْهُمْ بِالصَّبْرِ، والْطُفْ لَهُمْ فِي الْمَكْر”ِ.
1 6 دقائق