
نظمت “المظلة البيروتية” لقاء حواريا حاشدا مع الباحث والمفكر السياسي صقر ابو فخر امس عن “غزة ومستقبل المنطقة” في مركز توفيق طبارة – الصنائع بحضور حشد من ممثلي بعض الاحزاب والجمعيات والملتقيات والمنتديات والناشطين البيروتيين.
قدم بداية عضو هيئة المقررين في “المظلة” مروان الايوبي المحاضر، مستعرضا الواقع الفلسطيني المقاوم وما يدور في غزة من حرب ابادة، مفندا “قوة المقاومة الفلسطينية منذ النكبة وحتى اليوم والمراحل التي مرت فيها والتي يعود الفضل باستمرارها بها الى الشعب الفلسطيني والى المناضلين الشرفاء الذين لم يتوانوا عن تقديم الدماء الزكية في سبيل القضية المركزية”.
وقال: “غزة ستنتصر رغم الحقد والصلف والتعسف الصهيوني وورغم الشطط في آلة القتل اليومية التي تستبيح البشر اطفالا ورضع ونساء وعجائز ورجالا ابطال، ورأى ضرورة ان تعيد دول العربية النظر في سياسات التطبيع مع هذا الكيان الغاصب من مبدئية الموقف القومي الجامع الذي عبر عنه الشعب العربي واحرار العالم نصرة للقضية الفلسطينية الحقة ونصرة للحق العربي ورفضا للاطماع الصهيونية في دولنا العربية”.
وعرف بالباحث أبو صقر لافتا الى انه “بحاثة وكاتب متقدم في القضايا العربية ومتخصص في الغوض بتفاصيل ومجريات القضية الفلسطينية من كل جوانبها كافة والمامه الماما كبيرا فيها منذ عقود خلت، وهو يغني المنتديات بفكره ومعلوماته وتحليلاته المبنية على الحقائق والوقائع والاستشراف الصائب وقدم عصارة عمل نوعي في جريدة السفير وبعدها في المركز العربي للابحاث والدراسات ومراكز ومنصات اعلامية اخرى ولا يزال”.
أبو فخر
وعرض ابو فخر الخطوط العامة لحرب غزة وقال: “ان مجريات الامور متسارعة جدا، وهي تتغير بين ساعة واخرى، والميدان العسكري هو الذي يقرر ما سيحصل، وليس الافكار والتحليلات. معربا عن اعتقاده انه من الصعب العثور على عناصر متينة جدا لصوغ تحليل محكم لما يحدث في غزة، فالمعلومات متعاكسة ومتضاربة ومخالفة جدا، والتحليلات العسكرية التي يتخمنا بها الخبراء العسكريون تجعلنا في حيرة واضطراب. ان تخليص الاسرى الاسرائيليين وتدمير حركة حماس هما هدفان من المحال تحقيقهما معا،لان تخليص الاسرى ربما يتحقق بالتفاوض غير المباشر، اي من خلال وسطاء، اما تدمير حماس فلا يتحقق الا بالحرب، وعند ذلك لن يكون الاسرى في قيد الحياة”.
وسأل: “ما هي الخيارات المتاحة امام الجيش الاسرائيلي؟ اولا، احتلال قطاع غزة والبقاء فيه لترتيب عملية تأليف هيئة محلية للاشراف على امور القطاع لا حماس ولا السلطة بعد ان يكون الجيش قد اكمل تدبير البنية التحتية، وقتل قادة حماس والجهاد الاسلامي، وتمكن من تخليص ما بقي من الاسرى، وهذا خيار مجنون، لان الجيش الاسرائيلي سيواجه بالفعل، ولو بعد حين بالمقاومة الغزيون وستعتبر اي هيئة من هذا القبيل هيئة عميلة. ثانيا/ صرف النظر عن الاجتياح البري والاستمرار في عمليات القصف والتدمير والاغتيال الجوي او من خلال عمليات خاصة، وهذا احتمال ضعيف بل ضعيف جدا. ثالثا/ الاجتياح الجزئي لمناطق في شمال قطاع غزة وفي شرقه والاستمرار في قصف منظومة القيادة السيطرة لحركة حماس في المناطق الاخرى، مع اقتحامات متكررة من البر على طريقة “الاكورديون” اي تقدم وتراجع وهو احتمال ممكن”.
ورأى ان “أي حرب تتطلب حساب اربعة عوامل على الاقل هي: أولا القدرة العسكرية وهي موجودة لدى اسرائيل. ثانيا الاهداف المباشرة القريبة وهي واضحة اي تحطيم حركة حماس والغاء وجودها وهي اهداف مشكوك فيها جدا. ثالثا الاهداف البعيدة مثل نزع سلاح سكان قطاع غزة واقامة حزام امني ( تقليص مساحة القطاع) وهي اهداف مشكوك جدا في امكانية تحقيقها. رابعا التكلفة، فاذا كان تحقيق الاهداف المذكورة مشكوك فيه، فلماذا الاقدام اذا حرب مكلفة جدا هذا ما يردده كثير من القادة العسكريين في اسرائيل”.
واشار الى ان “الاهداف الاسرائيلية في الحرب على غزة واضحة لكن الخطة التنفيذية التفصيلية غير متوافرة ولا يوجد حتى جدول زمني للحرب، ( شهر، شهران، ثلاثة اشهر وربما ستة شهور) وبناء على ذلك نفهم ان التردد في عملية الاجتياح البري يعود الى: 1- حساب الخسائر التي من المتوقع ان تكون باهظة جدا. 2- التخوف مما يمكن ان تنزلق اليه جبهة جنوب لبنان.3- مستوى عمليات المقاومة الفلسطينية في حال السيطرة على قطاع غزة او على اجزاء منه. 4- شلل الحياة الاقتصادية جراء استدعاء نحو 350 الف جندي احتياط والتأكد من معنويات الجنود الذين ينتظرون تسريحهم، تجعلني اميل الى القول ان موعد العملية البرية ليس بعيدا.”
ورأى ان “الموقف الاميركي الذي يدير فعليا الحرب الجارية في غزة الآن ويريد عدم توسيع نطاق الحرب الى جبهات اخرى، حث الجيش الاسرائيلي على الاستمرار في الحرب، تكثيف العون العسكري والاستخباري لاسرائيل. وفي هذا الميدان ارسلت الولايات المتحدة 4 آلاف عنصر من فرق العمليات الخاصة والاستخبارات الى اسرائيل من فرق “الدلتا”، علاوة على الجنرال جيمس غلين نائب قائد قوات المظليين صاحب الخبرة الطويلة من افغانستان الى العراق. تقديم العون السياسي والديبلوماسي والاعلامي لاسرائيل بما في ذلك الكذب صاروخ مستشفى المعمداني وتقطيع رؤوس الاطفال. ردع خصوم اسرائيل ايران وحزب الله والحوثيون وتهديدهم في حال فكروا في دعم المقاومة في غزة دعما مباشرا. لانهم سيتعرضون من خلال البوارج الى تهديدات التي هي ابعد بكثير من غزة”.
واعتبر أن “الولايات المتحدة ترغب في تأجيل الاجتياح البري ولو الى حين حتى الانتهاء من التفاوض على الاسرى بوساطة قطر مع استمرار في حث الجيش الاسرائيلي على قصف غزة بصورة متواصلة وهذا بيان صادر عن وزارة الخارجية الاميركية في 23 /10 . كما لتعزيز دفاعات القواعد الاميركية في سوريا ( التنف وحقل العمر) وفي العراق ( عين الاسد) وفي مصر (الجورة قرب العريش) مدينة اميركية كاملة هناك، ستكون هذه القواعد عرضة لضربات غير محسوبة في حال تمت العملية العسكرية الاسرائيلية في غزة”.
أضاف: “في الجنوب اللبناني وهي نقطة حساسة جدا ومحيرة جدا، من الواضح ان حزب الله وبعض حلفائه يمارسون عمليات المساندة او المشاركة للجيش الاسرائيلي ويهددون بالانضمام الى حرب شاملة في لحظة ما، ما يجري في الجنوب الآن هي حرب استنزاف هذه حقيقة لكنها محسومة ومنضبطة الى حد كبير، ان حزب الله يمارس سياسة ضبط النفس رغم سقوط 50 شهيدا له خلال اقل من 20 يوما، وتقابله اسرائيل بضبط نفس دمر لها 12 دبابة ميركافا بصواريخ كورنيت التي كانت بطلة حرب 2006 حسب البيانات الاسرائيلية سقط لها 7 اشخاص ستة جنود ومدني واحد.هذا عدد ليس بسهل بالنسبة الى اسرائيل.. وقد ابتعدت القوات الاسرائيلية خمسة كيلومترات الى الخلف لعدم وصول مدى صواريخ كورنيت التي يستعملها حزب الله، وهي عملية تجنب الدخول بحرب مباشرة ايضا. وجرى تعزيز سلاح المسيرات في جنوب لبنان ومعظم شهداء حزب الله سقطوا بضربات المسيرات ولم يسقطوا بالمواجهات المباشرة”.
وكشف أن “حرب الجنوب اجبرت اسرائيل على اخلاء المستوطنات من ساكنيها وعلى جر لواءين من وحدات الاحتياط ولا يريد الحرب حسب توقعاته انما الى تصعيد اعلى في القتال في الجنوب اللبناني ويخشى حزب الله وايران بان الدور سيدور عليه فيما لو تمكنت اسرائيل من تحطيم حركة حماس والجهاد الاسلامي في قطاع غزة، ولتقدير الموقف فانها مسألة صعبة جدا جدا”. وتناول “اشارات اميركية اعلنت في اكثر من مرة عن عدم علاقة ايران بالعملية العسكرية في غزة، هذا نوع من الاشارة الى ان اميركا لا تريد حربا مع ايران ولكن رسالة الى ايران ان تلجم حزب الله ولا تدعه ينضم الى حرب غزة، يمكن العودة ايضا الى اعلان وزير الخارجية الايرانية حسين امير عبد اللهيان انه تلقى رسالتين من الولايات المتحدة بهذا الشأن، ويمكننا ان نعود الى خطة مندوب ايران بهذا الشأن فضلا عن تصريحات المرشد الاعلى لايران والرئيس الايراني بأننا لا نريد الحرب الا اذا تم الاعتداء علينا مباشرة”. وسأل: “في حال اتسعت الحرب هل تفرط ايران بالحليف السني الوحيد في العالم العربي التي هي (حماس والجهاد) وهو صعب جدا وبالتالي هل تفرط ايضا بحزب الله الذراع الاساسي لها، وفي حال دخلت الحرب فانها ستندلع حرب كبرى في المنطقة لانها لن تقتصر على غزة ولبنان بل ستطال كل من العراق وسوريا واليمن وبحر العرب والقواعد الاميركية وكل اماكن وجود الاميركي والاسرائيلي في الشرق الاوسط”.
وتابع: “في اشارات ثانية، نلاحظ ان اليمين الديني كانوا يعتدون على الفلسطينيين لكنهم بالحرب لا يقاتلون الذي يقاتل هو الجيش الاسرائيلي. وفي بلادنا ايضا يبدو لي ان الدواعش وانصار السنة وجيش الاسلام وجيش محمد والطائفة المنصورة الى آخره كلها جماعات لا تقاتل اسرائيل. كانت سياسة اسرائيل في عهد نتنياهو هو اقامة سلام مع دول عربية من دون حل قضية فلسطين وهذا هو جوهر التطبيع مع اسرائيل وكانت تتطلع الى قيام حلف اسرائيلي عربي استراتيجي ( المغرب- السودان- الامارات والبحرين) وتجنب مصر والاردن لان لديها اتفاقيات سلام معهما، وكان في كلام مع السعودية لكنه لم يكن يسير على ما يرام. اسرائيل كانت تهدف الى الوقوف سدا امام ايران والى تكاتف في اطار استراتيجية الامن القومي الاميركي لانهم جميعا حلفاء اميركا في كتلة واحدة لكن كل هذ السياسات فرطتها العملية العسكرية في غزة، واعتقد بعض العرب ان عملية التطبيع مع اسرائيل يعطيهم قوة مع الاميركيين ويرضيهم ويعوض عن الفراغ الذي تركته الولايات المتحدة في المنطقة العربية بعد الالتفات الى المحيط الهاديء والى اوكرانيا الذي اعلن عنهما الرئيس الاميركي بايدن بنفسه. هذا الحلف الذي تأملت منه اسرائيل واميركا لتعويض الفراغ الاميركي في المنطقة فرطته عملية طوفان الاقصى لحماس”.
وختم: “بعد عملية غزة هل بعد بمقدور اسرائيل ان تؤمن الحماية للعرب وان تساهم في تأمين رضا الولايات المتحدة عنهم، فهي لم تعد قادرة على حماية نفسها بعد عملية غزة، ارى ان المسألة بحاجة الى اعادة تقويم بين العرب ولاعادة النظر في السياسات العربية”.
ثم أجاب ابو صقر على أسئلة الحضور.