
ادى نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى العلامة الشيخ علي الخطيب الصلاة في مقر المجلس، والقى خطبة الجمعة التي قال فيها: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله الطاهرين وأصحابه المنتجبين وعلى جميع الأنبياء والمرسلين والشهداء والصالحين، والسلام عليكم ايها الأخوة المؤمنون والاخوات المؤمنات ورحمة الله وبركاته.
من كلام لأمير المؤمنين الامام علي (ع): وَلَقَدْ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله نَقْتُلُ آبَاءَنَا وَأَبْنَاءَنَا وَإِخْوَانَنَا وَأَعْمَامَنَا مَا يَزِيدُنَا ذَلِكَ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً وَمُضِيّاً عَلَى اللَّقَمِ وَصَبْراً عَلَى مَضَضِ الْأَلَمِ وَجِدّاً فِي جِهَادِ الْعَدُوِّ وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ مِنَّا وَالْآخَرُ مِنْ عَدُوِّنَا يَتَصَاوَلَانِ تَصَاوُلَ الْفَحْلَيْنِ يَتَخَالَسَانِ أَنْفُسَهُمَا أَيُّهُمَا يَسْقِي صَاحِبَهُ كَأْسَ الْمَنُونِ فَمَرَّةً لَنَا مِنْ عَدُوِّنَا وَمَرَّةً لِعَدُوِّنَا مِنَّا فَلَمَّا رَأَى اللَّهُ صِدْقَنَا أَنْزَلَ بِعَدُوِّنَا الْكَبْتَ وَأَنْزَلَ عَلَيْنَا النَّصْرَ حَتَّى اسْتَقَرَّ الْإِسْلَامُ مُلْقِياً جِرَانَهُ وَمُتَبَوِّئاً أَوْطَانَهُ وَلَعَمْرِي لَوْ كُنَّا نَأْتِي مَا أَتَيْتُمْ مَا قَامَ لِلدِّينِ عَمُودٌ وَلَا اخْضَرَّ لِلْإِيمَانِ عُودٌ وَايْمُ اللَّهِ لَتَحْتَلِبُنَّهَا دَماً وَلَتُتْبِعُنَّهَا نَدَماً.
وفي بيان دواعي هذه الخطبة لأمير المؤمنين علي (ع)، يروى الواقدي أنه عليه السلام، استنفر بني تميم أياماً لينهض منهم إلى البصرة من يكفيه أمر ابن الحضرمي، ويرد عادية بنى تميم الذين أجاروه، بها فلم يجبه أحد، فخطبهم، وقال: أليس من العجب أن ينصرني الأزد، وتخذلني مضر! وأعجب من ذلك تقاعد تميم الكوفة بي، وخلاف تميم البصرة عليّ، وأن أستنجد بطائفة منها، تشخص إلى إخوانها فتدعوهم إلى الرشاد، فإن أجابت وإلا فالمنابذة والحرب. فكأني أخاطب صُماً بكماً لا يفقهون حواراً، ولا يجيبون نداءً، كل هذا جبناً عن الباس، وحباً للحياة.
ولست آتٍ هنا أيها الأخوة بما قاله (ع) لاستعراض وقائع الماضي والتاريخ وإنما لنستفيد من بعض الحكم والقواعد التي تتحكم بالتاريخ ومجرياته التي ذكرها (ع) وعزا إليها أسباب قيامة الدول وبقائها أو تعثرّها وزوالها وأسباب انتصارها وانكسارها.
وفي هذا المقطع من هذه الخطبة أورد (ع) عدة اسباب بعضها بشكل مضمر والآخر بنحو صريح، والمضمر منها وجود القيادة الشرعية التي تُعبّر عن الأمة بالبيعة لها أي بالانتخاب في عرفنا الان، وتحمل مشروعها الذي يسمى (بالدستور) وتكون هذه البيعة ملزمة للطرفين، القيادة والأمة، فمن المفروض في المطلق ان يكون هناك بيعة.
القيادة بالوفاء بمقتضيات البيعة وهو العمل على تحقيق مشروع الأمة وفق الدستور، والأمة بالطاعة لقيادتها الشرعية طالما بقيت وفية لتعهداتها. وهو السبب المعلن في كلامه (ع)، فشرعية القيادة والالتزام بمقتضيات البيعة من الطرفين وعدم الاخلال بها من كل منهما مع أحقّية الأهداف التي يتضمنها الدستور، هي أسباب حتمية لبقاء الدول والامم ومع اختلال أحداها تتعرض للهزيمة، وقد تتعرض للزوال (فلما رأى الله صدقنا أنزل بعدونا الكبت وأنزل علينا النصر حتى استقر الاسلام ملقياً جرانه ومُتَبَوِّأً أوطانه، ولعمري لو كنا نأتي ما أتيتم ما قام للدين عمود ولا اخْضَرّ للإيمان عود وأيم الله لتحتلبنها دما ولتتبعنها ندماً).
كما أنه (ع) يتحدث على أهمية التزام الأمة بمشروعها وتعهدها بالتزام الطاعة لقيادتها والآثار التي تترتب على هذا الالتزام وتنفيذه أو العكس حين تتوانى وتنكل وتتراجع: (ولعمري لو كنا نأتي ما أتيتم ما قام للدين عمود ولا اخْضَرّ للإيمان عود وأيم الله لتَحْتَلِبُّنَّها دما ولَتُتْبِعُّنَّها ندما) كناية عن انهيار المشروع وعدم بلوغ الغاية من النكول وهو طلب السلامة وعبّر عنه (ع) بقوله: (كل هذا جبناً عن البأس، وحباً للحياة).
فأوكل (ع) التراجع والفشل إلى عاملين: الجبن عن البأس وحب الحياة، والنصر إلى الاستعداد للتضحية والشهادة والشجاعة.
وله أيضاً (ع) خطبة الجهاد المشهورة، لِما قاله فيها للناس عندما أغار سفيان بن عوف الأسدي على مدينة الأنبار بالعراق وقتل عامله عليها، حيث جلس على باب السدة مؤكداً على نفس المعنى فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:
أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ الجِهَادَ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الجَنَّةِ، فَتَحَهُ اللهُ لِخَاصَّةِ أَوْلِيَائِهِ، وَهُوَ لِباسُ التَّقْوَى، وَدِرْعُ اللهِ الحَصِينَةُ، وَجُنَّتُهُ الوَثِيقَةُ، فَمَنْ تَرَكَهُ رَغْبَةً عَنْهُ أَلبَسَهُ اللهُ ثَوْبَ الذُّلِّ، وَشَمِلَهُ البَلاَءُ، وَدُيِّثَ الصَّغَارِ وَالقَمَاءَةِ وضُرِبَ عَلَى قَلْبِهِ بالأسداد، وَأُدِيلَ الحَقُّ مِنْهُ بِتَضْيِيعِ الجِهَادِ، وَسِيمَ الخَسْفَ وَمُنِعَ النَّصَفَ أَلاَ وَإِنِّي قَدْ دَعَوْتُكُمْ إِلَى قِتَالِ هؤُلاَءِ القَوْمِ لَيْلاً وَنَهَاراً، وَسِرّاً وَإِعْلاَناً، وَقُلْتُ لَكُمُ: اغْزُوهُمْ قَبْلَ أَنْ يَغْزُوكُمْ، فَوَاللهِ مَا غُزِيَ قَوْمٌ قَطُّ في عُقْرِ دَارِهِمْ إِلاَّ ذَلُّوا، فَتَوَاكَلْتُمْ وَتَخَاذَلتُمْ حَتَّى شُنَّتْ عَلَيْكُمُ الغَارَاتُ وَمُلِكَتْ عَلَيْكُمُ الاْوْطَانُ.
واثار امير المؤمنين الحمية فيهم فقال:وَهذَا أَخُو غَامِد قَدْ وَرَدَتْ خَيْلُهُ الاْنْبَارَ، وَقَدْ قَتَلَ حَسَّانَ بْنَ حَسَّانَ البَكْرِيَّ، وَأَزَالَ خَيْلَكُمْ عَنْ مَسَالِحِهَا وَلَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ الرَّجُلَ مِنْهُمْ كَانَ يَدْخُلُ عَلَى المَرْأَةِ المُسْلِمَةِ، وَالاْخْرَى المُعَاهَدَةِ ، فيَنْتَزِعُ حِجْلَهَا وَقُلْبَهَا وَقَلاَئِدَهَا، وَرعاثَهَا ما تَمْتَنِعُ مِنْهُ إِلاَّ بِالاسْتِرْجَاعِ وَالاِسْتِرْحَامِ، ثُمَّ انْصَرَفُوا وَافِرِينَ، مَا نَالَ رَجُلاً مِنْهُمْ كَلْمٌ وَلاَ أُرِيقَ لَهُمْ دَمٌ، فَلَوْ أَنَّ امْرَأً مُسْلِماً مَاتَ مِن بَعْدِ هَذا أَسَفاً مَا كَانَ بِهِ مَلُوماً، بَلْ كَانَ بِهِ عِنْدِي جَدِيراً.
فَيَا عَجَباً! عَجَباًـ وَاللهِ ـ يُمِيتُ القَلْبَ وَيَجْلِبُ الهَمَّ مِن اجْتِماعِ هؤُلاَءِ القَوْمِ عَلَى بَاطِلِهمْ، وَتَفَرُّقِكُمْ عَنْ حَقِّكُمْ! فَقُبْحاً لَكُمْ وَتَرَحاً حِينَ صِرْتُمْ غَرَضاً يُرمَى: يُغَارُ عَلَيْكُمْ وَلاَ تُغِيرُونَ، وَتُغْزَوْنَ وَلاَ تَغْرُونَ، وَيُعْصَى اللهُ وَتَرْضَوْن!
ومن الطبيعي أن يوجّه (ع) تقريعه للامة وتحميلها مسؤولية ما صارت اليه الأمور وهو الفشل في الدفاع عن حقّها الذي بُغِيَ واعتُدِيَ عليه وصارت غرضاً يُرمى وفَيئاً يُنتهب ويغار عليها وتغزى دون أن يكون منها رد فعل يمنعها أو يحميها وأصبحت أمة ميتة لا شعور لديها ولا حمية فيها.
وفي خطبة أخرى له (ع) ينطبق فيها الكلام على واقعنا كما هو الحال في صراعنا مع العدو الصهيوني فيقال هذه مسألة فلسطينية او لبنانية او عربية لا تعنيني، ويصف فيه حالها أدق وصف يقول:
أَيُّهَا النَّاسُ الْمُجْتَمِعَةُ أَبْدَانُهُمْ الْمُخْتَلِفَةُ أَهْوَاؤُهُمْ كَلَامُكُمْ يُوهِي الصُّمَّ الصِّلَابَ وَفِعْلُكُمْ يُطْمِعُ فِيكُمُ الْأَعْدَاءَ تَقُولُونَ فِي الْمَجَالِسِ كَيْتَ وَكَيْتَ فَإِذَا جَاءَ الْقِتَالُ قُلْتُمْ حِيدِي حَيَادِ مَا عَزَّتْ دَعْوَةُ مَنْ دَعَاكُمْ وَلَا اسْتَرَاحَ قَلْبُ مَنْ قَاسَاكُمْ أَعَالِيلُ بِأَضَالِيلَ وَسَأَلْتُمُونِي التَّطْوِيلَ دِفَاعَ ذِي الدَّيْنِ الْمَطُولِ لَا يَمْنَعُ الضَّيْمَ الذَّلِيلُ وَلَا يُدْرَكُ الْحَقُّ إِلَّا بِالْجِدِّ أَيَّ دَارٍ بَعْدَ دَارِكُمْ تَمْنَعُونَ وَمَعَ أَيِّ إِمَامٍ بَعْدِي تُقَاتِلُونَ الْمَغْرُورُ وَاللَّهِ مَنْ غَرَرْتُمُوهُ وَمَنْ فَازَ بِكُمْ فَقَدْ فَازَ وَاللَّهِ بِالسَّهْمِ الْأَخْيَبِ وَمَنْ رَمَى بِكُمْ فَقَدْ رَمَى بِأَفْوَقَ نَاصِلٍ أَصْبَحْتُ وَاللَّهِ لَا أُصَدِّقُ قَوْلَكُمْ وَلَا أَطْمَعُ فِي نَصْرِكُمْ وَلَا أُوعِدُ الْعَدُوَّ بِكُمْ مَا بَالُكُمْ مَا دَوَاؤُكُمْ مَا طِبُّكُمْ الْقَوْمُ رِجَالٌ أَمْثَالُكُمْ أَ قَوْلًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَغَفْلةً مِنْ غَيْرِ وَرَعٍ وَطَمَعاً فِي غَيْرِ حَقٍّ .
فهم تحوّلوا باختلاف أهوائهم الى أعداد بل الى أصفار لا يجمعهم جامع مما أوهن جمعهم وشتَّتَ شملهم وأطمع فيهم عدوَّهم، فلا يمكن الركون إليهم يتعللون إذا دعوا للدفاع عن كرامتهم بأضاليل واباطيل يتذرعون ويقنعون أنفسهم بها لهروبهم وخذلانهم واستبدالهم قضيتهم الواحدة قضية الامة الى قضايا خاصة والمصالح العامة إلى المصالح الخاصة قضية الامة ومصلحتها إلى قضية القبيلة ومصلحتها وقضية القبيلة ومصلحتها إلى قضية زعيم القبيلة ومصلحته.
لقد تحوَّلت الحسابات العامة الجامعة الى حسابات التجزئة التي هي من أخطر الأمراض وأهم عوامل التي تودي بالمجتمعات والامم وأهم أسباب ضعفها وتفكّكها والقضاء عليها وهو ما ابتُليت به أمتنا وأدّى إلى تشتّتها وضياعها وهوانها أمام الامم الذي بدأ بشكل تدريجي ووصل إلى الوضع المؤسف الذي تمرّ به الآن وتشكل فيه القضية الفلسطينية وجهها الأبرز.
حيث ترتكب ما يسمى بالحضارة الغربية الآن في غزة أفظع جرائم التاريخ بما يزيد على الجرائم التي ارتكبها مجرمو حروب التاريخ دون أن تستطيع الدول العربية والاسلامية مجتمعة أن تفرض وقفاً لهذا العدوان حتى الآن مكتفية ببعض المواقف من التنديد والمطالب التي تستجدي وقفاً إنسانياً مؤقتاً لإطلاق النار لا يمنع قتلاً وذبحاً للفلسطينيين ولا تدميراً لمدنهم على رؤوس أبنائهم وأطفالهم الذين إما يخرجون أشلاء أو يُدفَنون تحت الركام.
إنّني بهذه المناسبة أتوجّه بهذه الرسالة الى رؤساء الدول العربية والاسلامية الذين سيجتمعون في المملكة العربية السعودية والاسلامية بنداءٍ أخوي أن العالم لن يستجيب لكم إلا إذا أظهرتم له انكم أقوياء واتفقتم على كلمة رجل واحد فيصغي اليكم وتفرضون وقفاً لإطلاق النار تحفظون به ما تبقى من شعب غزة وتحفظون به كرامتكم وكرامة شعوبكم الملطخة بدماء أبناء غزة.
لقد حان هذا الوقت منذ زمن بعيد فهلّا تكون دماء واشلاء أبناء غزة هاشم اليوم ثمناً لاستعادة هذه الكرامة التي سبقتكم إليها شعوبكم عندما استعادت القضية الفلسطينية بما تظهره لها من تأييد.
إنّ الشعب الفلسطيني أخذ على عاتقه أن يواجه الاحتلال ولم يكلّفكم أن تقاتلوا عنه، ولكنه رضي منكم أن تمنعوا القتل عن أطفاله ونسائه فهل أنتم فاعلون؟؟.
لقد قيَّمت الشعوب العربية والاسلامية موقفكم الرافض لتهجير سكان غزة تقييماً إيجابياً لكنها تنتظر منكم أيضا أن يبقوا على قيد الحياة وألا يُترَك أمرهم إلى آلة الذبح الغربية.
إنّ موقفكم الواحد الرافض لما يقوم به العدو إلى جانب إبراز بعض وجوه القوة من سحب سفراء الدول المطبّعة لدى العدو وطرد سفرائه لديه والتهديد على الاقل بقطع النفط عن هذا المجرم سيوقفه عند حده ويضطره إلى التوقف عن مجازره وإجرامه.
ندعو الله سبحانه وتعالى أن يجمع الشمل ويحقّق للأمتين العربية والاسلامية ما تصبو اليه من عزة وكرامة وللشعب الفلسطيني العزيز النصر المؤزر ولأعداء أمتنا الهزيمة والخزي والعار.
(إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ).
تحية الإعزاز والإكبار لأهل غزة والضفة ومجاهدي غزة والضفة وللمقاومين والشهداء على طريق القدس، والله معكم وناصركم ولن يخذلكم بإذن الله تبارك وتعالى.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.



