جعجع: ما يقوم به حزب الله غير مدوزن ودعوة ميقاتي إلى التوازي بين وقف النار في غزة والجنوب صدى لموقفه

رأى رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع أنه “من الصعب الخروج بتقديرات حاسمة لما سيؤول إليه الوضع بسبب العوامل المتداخلة، ولا سيما في ضوء الأحداث العسكرية المتلاحقة. ولكن ما أود أن ألفت إليه هو أنه منذ 7 تشرين الأول الماضي وحتى الآن، الطرف الوحيد الذي يسعى وبكل ثقله لعدم توسع الحرب هو الولايات المتحدة وأوروبا، في حين أن الآخرين، أكان اسرائيل من جهة أو إيران من جهة أخرى، يزجون ما يملكونه من أدوات في المواجهة القائمة”.

 

وقال: “صحيح أن إيران أعلنت أكثر من مرة أنها لا ترغب بالمشاركة في الحرب أو في توسعها، ولكن مثل هذه المواقف لا تعني شيئا ما دامت طهران زجت بكل أذرعها وأدواتها في الحرب، من الحوثيين وهجماتهم في البحر الأحمر إلى الميليشيات المتحالفة مع إيران في العراق والميليشيات الإيرانية في سورية، مرورا بحزب الله في لبنان. وهؤلاء ينخرطون في شكل من الأشكال في الحرب. أما من يسبق من؟ هل المساعي الأميركية – الأوروبية لتجنب توسع الحرب، أم المساعي الاسرائيلية من جهة والإيرانية من خلال أدواتها من جهة أخرى؟ فلا يمكن توقع ذلك. ولكن لا شك، وخصوصا بعد الضربة التي وجهت إلى الحوثيين في أن دينامية اتساع الحرب تكبر يوما بعد آخر”.

 

 

 

وقال في حديث لصحيفة “الراي الكويتية”: “عدم الرغبة الأميركية في توسع الحرب واضحة، وإن بشروط واشنطن الداعمة لاسرائيل في حرب غزة. أما عدم تدخل إيران في الحرب، فهو أمر غير صحيح بدليل مشاركة أذرعها وأدواتها. وأكرر أن الطرف الوحيد الذي يعمل على تلافي السيناريو المرعب هو الولايات المتحدة وأوروبا”.

 

وكيف يفسر إذا الانخراط المحسوب لما يسمى الأذرع الإيرانية في الحرب، تارة تحت عنوان المشاغلة وتارة أخرى بما يوصف بـ “المشاغبة” في أكثر من ساحة وصولا إلى البحر الأحمر؟ يقول جعجع: “إن اقتصار أدوار أذرع إيران وأدواتها على هذا المستوى من الانخراط في المواجهة يعود إلى أن الولايات المتحدة وفي اليوم التالي لـ 7 أكتوبر أرسلت حاملتي طائرات وقطعا بحرية عدة، وعززت قواتها في المنطقة وأبلغت إلى الجميع بالطرق المعهودة وغير المعهودة عزمها على التدخل مباشرة في مواجهة أي محاولة لتوسيع الحرب. ومن هنا جاءت أدوار هؤلاء محسوبة لإدراكهم أن أي تفلت سيقابل بتدخل حاسم من الولايات المتحدة. وعندما حاول الحوثيون تجاوز حدودهم في البحر الأحمر تدخل الأميركيون والبريطانيون”.

 

وماذا عما قيل عن أن الأميركيين أبلغوا إلى الحوثيين وتاليا الإيرانيين مسبقا بالضربة، في إشارة إلى إدراك واشنطن تبعا لتجربة الأشهر الثلاثة الماضية أن طهران لا تريد التورط في مواجهة كبرى؟ يجيب: “هذا غير دقيق. ولا يمكن ولو للحظة الاعتقاد أن حركة “حزب الله” من جنوب لبنان والميليشيات المتحالفة مع إيران في العراق والميليشيات الإيرانية في سورية والحوثيين في اليمن معزولة عن قرار إيراني”.

 

سئل: لكن هؤلاء يلعبون على “الحافة” وبطريقة مدوزنة لا تفضي إلى التفجير الشامل؟ أجاب: “هذا أمر نسبي. فما تحسبه إيران مدوزنا قد لا يكون كذلك بالنسبة إلى الآخرين، بدليل أن الولايات المتحدة لم تعتبر ما يقوم به الحوثيون أمرا مدوزنا، فأنشأت تحالفا وصدرت مجموعة مواقف على مدى الأسابيع الأخيرة تدعو إلى وقف هذه الممارسات، إلى أن اضطر الأميركيون والبريطانيون إلى تنفيذ الضربة في اليمن. في ما خص “حزب الله”، يتضح في شكل جلي أن ما يقوم به من جنوب لبنان غير مدوزن، على عكس ما يقوله البعض. بدليل ما استثاره من رد فعل اسرائيلي، وجميعنا نرى الطرح الاسرائيلي في ما يتعلق بجبهة الجنوب. وهذا ما يعني أن حسابات فريق لا تتطابق مع فريق آخر ما يجر المنطقة الى تصعيد أكبر”.

 

 

 

وعن دوافع إيران من اعتماد هذا المستوى من الانخراط في المواجهة وما الذي تسعى إلى تحصيله؟ يقول جعجع: “طهران تريد أن يكون شرق البحر الأبيض المتوسط، والمنطقة العربية بحيرة نفوذ إيرانية وأن تكون لها كلمة وحضور في كل ما يتعلق بالمنطقة. وهذا هدف إيران، أما تحقيقه فمسألة أخرى، ولا أحد يمكنه التكهن بمآل الأمور وفي أي اتجاه ستذهب، بدليل التطور الأخير في ما خص الحوثيين في اليمن”.

 

سئل: هناك من يعتبر أنه رغم تحول جنوب لبنان أكثر الجبهات التي تتوافر فيها عناصر الانفجار الكبير، فإن “حزب الله” بإدارته “جبهة المشاغلة” على نحو مضبوط حال دون جر البلاد إلى فم الحرب الواسعة وراعى المصلحة اللبنانية العليا. أجاب: “سأطرح سؤالا: لو لم يبادر “حزب الله” إلى تحريك جبهة الجنوب، ألم يكن ذلك ليراعي المصلحة اللبنانية العليا أكثر؟ وما قام الحزب به وما يزال ليس محسوبا ولا يأخذ مصالح لبنان في الاعتبار. وما يقول الحزب إنه محسوب ومضبوط لم تعتبره اسرائيل كذلك وتصرفت على هذا الأساس. ناهيك عن أن ممارساته منذ 8 أكتوبر عاودت فتح عيون اسرائيل على الوجود العسكري للحزب في جنوب لبنان، وتاليا بات الشغل الشاغل لاسرائيل إيجاد حل لهذا الوجود العسكري على حدودها الشمالية وهي تربط ذلك بما تقول إنه درس تعلمته من تجربة حماس في غزة”.

 

 

 

سئل: “هناك نظريتان حيال استمرار جبهة الجنوب في دائرة التصعيد المضبوط. الأولى عبر عنها السيد حسن نصر الله بقوله إن اسرائيل مردوعة بقوة المقاومة وأن مباغتتها بفتح الجبهة أفقد تل ابيب عنصر المفاجأة لشن حرب كانت تريدها. والثانية أن الولايات المتحدة هي التي ترمي بثقلها وتردع حتى الساعة اسرائيل عن لبنان. أي من النظريتين أكثر واقعية بالنسبة لكم؟

 

أجاب: “كل الأوساط الديبلوماسية وعواصم القرار واللاعبين السياسيين في دول الشرق الأوسط يعرفون حجم الضغط الذي تمارسه واشنطن كي لا يحصل تصعيد للوضع على جبهة جنوب لبنان. وبالتالي هذا هو العامل الحاسم الذي يبقي الجبهة الجنوبية ضمن هذه الحدود”.

 

وسأل جعجع: “هل ثمة حقا من هو مقتنع بأن تصعيد “حزب الله” في الجنوب هو الذي يلجم اسرائيل أم العكس، أي هو الذي يفتح عيونها أكثر على جبهة لبنان؟ وإذا كان كلام السيد حسن عن أن اسرائيل مردوعة من حزب الله، فلماذا إذا يحصل كل هذا التحرك والوساطة الأميركية؟ وبماذا تحدث الفرنسيون حين زاروا بيروت؟ وتاليا نظرية السيد حسن غير صحيحة ولا أساس لها، وهذا النوع من التصريحات موجه إلى البيئة الحاضنة، ولكنه لا يتطابق إطلاقا مع الواقع. وما يجمد الوضع حتى الساعة على جبهة الجنوب هو الضغط الأميركي على اسرائيل، من دون أن يعني ذلك أن خطر الانزلاق العسكري انتفى، بل للأسف ما زال قائما”.

 

 

 

سئل: لكن ثمة من يعتبر أن “حزب الله” بعملياته جنوبا نجح في إجبار اسرائيل على جعل أي ثمن لأمنها يوازي أقله ما قال السيد نصر الله إنه “التحرير الكامل” للأراضي اللبنانية بعدما تلكأت 17 عاما عن ذلك “فلماذا لا تقرون بأن معادلة القوة التي أرساها “حزب الله” ستثمر مرة جديدة؟

 

أجاب: “لا نقر لأن هذا ليس صحيحا. وما يقوله السيد حسن هو طرحه، ولكن من الذي يقول إن اسرائيل تسير بهذا الطرح؟ وأكبر دليل ما استخلص من الزيارة الأخيرة لآموس هوكشتاين (لبيروت). والواقع أن محور الممانعة كان يحضر هذا المخرج في معرض بحثه عن كيفية الخروج من كل هذا الواقع. ولكن حتى هذا المخرج “مش ماشي”.

 

 

 

سئل: هذا المخرج “مش ماشي” حتى الآن ولكن في النهاية تتمحور مهمة هوكشتاين حول حل مستدام يقوم على تفاهم بري يشتمل على نقاط الخلاف على الخط الأزرق، وربما صيغة ما لمزارع شبعا المحتلة، في حين أن هوكشتاين حاول في زيارته لبيروت التسويق لحل مرحلي. هل انتم على اطلاع على ما حمله؟

 

أجاب: “صحيح، هوكشتاين يسعى لحل مرحلي على قاعدة أوقفوا الجبهة في الجنوب حاليا بانتظار أن نرى ما الذي يمكن أن نفعله. ولكن حزب الله لم يقبل بذلك، انطلاقا من ربطه وقف المواجهات على جبهة الجنوب بوقف حرب غزة، وهذا طرح مرفوض من الأميركيين والاسرائيليين معا، ما يعني أننا ما زلنا نراوح”.

 

 

 

وكيف يفسر جعجع ربط لبنان الرسمي البلاد بحرب غزة وكأنها “وحدة مسار ومصير” جديدة، يقول: “أولا هذا بالتأكيد لا يعبر عن موقف غالبية اللبنانيين ولا إرادتهم. والرئيس ميقاتي يتحدث على هذا النحو لأنه يعكس بذلك موقف حكومة محور الممانعة التي يترأسها. وتاليا ما أعلنه هو صدى لموقف حزب الله. ولكن أريد أن أسأل: هل من جبهة أخرى مفتوحة في دولة عربية أخرى ويقال إنها لا تقفل إلا حين تنتهي الحرب في غزة؟ أكيد لا. ثانيا، هل ثمة فعلا من يعتقد أن التراشق الحاصل على جبهة الجنوب سيحدث تأثيرا على مجريات الحرب في غزة؟ هذا كلام لا علاقة له بالواقع وهو فقط للاستهلاك الاعلامي وكي يظهر حزب الله وكأنه يقوم بشيء (لغزة)، في حين أن جل ما يفعله يتصل بتثبيت موقع الحزب ومحور الممانعة وإيران في المعادلة في الشرق الأوسط. وأدعو الجميع هنا إلى الإجابة على سؤال: هل يمكن أن يحدث في غزة أسوأ مما حصل حتى الآن وما زال يجري؟ وتاليا أي تأثير كان لفتح جبهة الجنوب على صعيد لجم اسرائيل عن غزة وشعبها؟ أما الكلام عن أن هذه العمليات منعت العدو من مهاجمة لبنان، فمن قال لكم إن هذا العدو كان يريد الهجوم على لبنان حينها؟ في حين أنه الآن وبعد عمليات “حزب الله” ها هو يهدد بالعدوان على بلدنا”.

 

أضاف: “بالعودة إلى موقف لبنان الرسمي، كان على الحكومة أقله أن تحتذي بما قام به الرئيس فؤاد السنيورة في 12 يوليو 2006 حين قال نحن كحكومة لبنانية لم نكن على علم بما حصل ولا نؤيده. أو أن تحذو حذو إيران التي نأت بنفسها عما قامت به “حماس” وتقول حين تسأل عما يفعله حزب الله والحوثيون إن هؤلاء يتخذون قراراتهم بأنفسهم، أي كأنهم “فاتحين على حسابهم”، ومن يصدق ذلك”.

 

 

 

وتعقيبا على ما سبق أن أعلنه جعجع عن أن “رئاسة الجمهورية لن تكون بدلا عن ضائع في المفاوضات الإقليمية الجارية، ولن تكون جائزة ترضية لمحور المقاومة، ولن تكون أمرا ملحقا لأي صفقة لا من قريب ولا من بعيد … ونرفض أي رئيس صوري ويأتي كجزء من تسوية إقليمية يجري النقاش فيها بالوقت الحاضر”، وأن ثمة من قرأ في هذا الموقف “بطاقة صفراء” بوجه تسوية يتوجس من ترجماتها لبنانيا، في حين اعتبرها البعض أشبه بـ “نداء استغاثة” من عاجزين عن التأثير في ما هو آت، قال: “للتوضيح، ليست هناك صفقة، ولا أقول إن ثمة تسوية أو أن واشنطن وأوروبا سارت بها. أبدا، بل هذا الموقف هو في سياق الرد على أجواء فريق الممانعة الذي حين يطرح ما يريده مقابل تلبية الشروط الاسرائيلية – وليس كما يشيعون أنه للتحرير الكامل – يقول في معرض الكلام عن استرجاع الأراضي المحتلة إن هذا يتطلب ترتيبات داخلية، أي رئيس جمهورية يمكنه أن يشرف على مثل هذا الحل وحكومة قادرة على أن تواكب هذا المسار. وبالتالي تجاه هذه المناخات الموجودة لدى فريق الممانعة، من الطبيعي أن نعلي الصوت مبكرا ومن الآن ونبلغ الجميع بوجوب أن لا يفكر أحد في الأمر، وننبه الكل من أي تفكير في مثل هذا الاتجاه. بصراحة، لم أجد أحدا من الدول المعنية بالمفاوضات أو بالأخذ والرد بين “حزب الله” واسرائيل يقدم أي طرح يشتم منه أن تكون رئاسة الجمهورية في لبنان بدلا عن ضائع او جائزة ترضية لأحد. ولكن لمسنا في أجواء فريق الممانعة طروحات من هذا النوع ومن هنا اضطررت لرفع الصوت”.

 

 

 

سئل: هل تبلغتم من أحد مثل هذه الطروحات عن لسان فريق الممانعة، علما أن الرئيس نبيه بري كان نفى إمكان أي مقايضة بين أي شبر من الأراضي اللبنانية وكل المواقع، في حين أن حزب الله يحيد بالكامل الملف الرئاسي عن كل تصريحات قادته؟

 

أجاب: “لن يعترف أحد بذلك، وهنا لا أتحدث عن الرئيس بري. وفي المعطيات المتوافرة لدينا أنه في سياق التسوية التي يمكن أن يعمل عليها لجبهة الجنوب يتم طرح ملف رئاسة الجمهورية والحكومة المقبلة من ضمن نقاط البحث من قبل فريق الممانعة”.

 

 

 

سئل: هل يفهم أنكم تخشون أن تفضي أي تسوية في المنطقة أو لجبهة الجنوب إلى ما ينعكس سلبا على الموازين الداخلية في لبنان لمصلحة فريق الممانعة فيترجم ذلك رئاسيا. وما مدى قدرتكم في هذا الإطار على تشكيل توازن ردع سياسي بوجه مثل هذا الأمر؟

 

أجاب: “قدرتنا كاملة، بدليل أنه قبل نحو 6 أشهر وحين حاولت فرنسا، الدولة الصديقة للبنان والتي تتمتع بحضور كبير فيه، أن ترمي بثقلها خلف مرشح الممانعة (سليمان فرنجية)، أقمنا سدا منيعا أمام إيصاله. وهذا ما نحن عليه، أمس وغدا. وتاليا أيا كان من يفكر (في الخارج) بتسويات، فليطبقها عنده، لأنه لن يكون متاحا إمرارها في لبنان، فنحن هنا”.

 

 

 

سئل: هل بات مسلما به أن لا انتخابات رئاسية في لبنان قبل اتضاح اتجاهات الريح في ضوء نتائج وتداعيات حرب غزة وهل فقدت القدرة على كسر الوحدة بين هذين المسارين؟

 

أجاب: “قبل حرب غزة، بذلنا كل الجهود لكسر التعطيل الذي يحصل للاستحقاق الرئاسي، من دون جدوى. وطبعا المعطلون، أي محور الممانعة، سيمعن الآن في التعطيل أكثر فأكثر، أولا لانشغاله بالتطورات في غزة والساحات الأخرى بما فيها الجنوب ومشاركته فيها، وثانيا لأنه يفضل انتظار مآل هذه التطورات عله يستطيع إمرار بعض مصالحه الرئاسية من خلالها، ولذا لن يتحرك في هذه المرحلة. والدليل انه حين حاولنا، بعد الـ momentum الذي نجحنا في بلوغه في جلسة التمديد لقائد الجيش العماد جوزف عون، أن نجعل هذا الأمر ينسحب على تفاهمات جانبية تفضي لجلسة انتخاب رئاسية، اتضح أن فريق الممانعة ما زال على موقفه بأن مرشحه هو سليمان فرنجية، ما يعني أن هذا المحور الذي يعطل الانتخابات الرئاسية منذ نحو 15 شهرا ما زال يمضي في هذا المسار، وسيعطل أكثر فأكثر في انتظار ما سيستجد في ضوء حرب غزة”.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى