حزب الله بعد ضربة دمشق يدوْزن ويطرق باب نهاريا

لا تترك الوقائعُ المتسارعةُ في المنطقة، والتي يرتبط لبنان بصفائحها الساخنة عبر «الأوعية المتصلة»، مجالاً لأي التباسٍ في ما خصّ تَحَلُّل المؤسسات و«ذوبانها» على وهجِ أزماتٍ سياسية ومالية لـ «دولةٍ فاشلة» لم يكن ينقصها إلا اقتيادها إلى ضفاف حرب غزة، قبل الانجراف إلى رياحها اللاهبة، ليتأكّد أنها باتت «خارج الخدمة» نظاماً تشغيلياً وربما تركيبةً وهيْكلاً دستورياً.

ويأتي التقاطُع النادر بين الاعتبارات الاستراتيجية لإيران والمصلحة اللبنانية على عدم الانزلاق إلى حربٍ واسعة عبر «بوابة جهنّم» المفتوحة في غزة، بمثابة عامِلٍ «غير متحَكّم» به من «الدولة المحلية» أَمْكَنها الركونُ إليه منذ أن فَتح «حزب الله» جبهة المشاغَلة في الجنوب (8 أكتوبر) للمضيّ في «حروبها الصغيرة» داخلياً، والاكتفاء بإزاء مَخاطر الصِدام الكبير – الذي ما زال محتملاً إما بقرار كبير من إسرائيل وإما بخطأ كبير من «الممانعة» في تقدير فعلٍ أو ردّ فعل – بموقفِ المتفرّج أو مَن يسجّل مواقف لم تتوانَ حتى عن تكريس التصاقٍ غير مسبوق بين لبنان الرسمي و«حزب الله».

وإذا كان هذا الالتصاق قابلتْه مراراً قوى لبنانية معارِضة بوصْفه من «عوارض» القصور الرسمي في «إدارة المخاطر» بما يتلاءم مع حراجة المرحلة، فإنّ البُعْدَ الأكثر رسوخاً للتماهي بين «حزب الله» ولبنان الرسمي، إلى حدّ اعتبار بعض الأوساط أن الحزب صار بمنزلة «الدولة العميقة»، يَجِدُ أفضل تعبيراته في حرص إيران على مبدأ «المعاملة بالمثل» مع ذراعها القوية والأكثر اكتمالاً في ما احتضنتْه الثورة الإسلامية، بحيث أن ما يصحّ عليها في ما خص المخاطرة بالحرب الكبرى يصحّ عليه.

ولعلّ آخِر تعبيراتِ هذا الأمر تجلّتْ بعد «هجوم القنصلية» في دمشق ومقتل الجنرال في فيلق القدس محمد رضا زاهدي، حيث لم يَبْرز أي «اشتباهٍ» في أن إيران ستتصرف بإزاء هذه الضربة على عكس ما فعلت، سواء عقب اغتيال الجنرال قاسم سليماني في بغداد أو قادة في الحرس الثوري في سورية (بعد طوفان الأقصى)، وسط أجواء لدى دوائر عليمة تفيد أن طهران لن تتخلّى عن «العقل البارد» والمرونة في تفسير النكسات كما استيعابها، وصولاً للتعاطي مع ضربة يوم الاثنين على أنها في سياق معركة مفتوحة تشارك فيها إيران «في كل طلقة» من أذرعها ومن المتوقَّع والطبيعي أن يَسقط فيها إيرانيون على يد اسرائيل التي «تأخّرتْ حتى في الردّ».

وما يَعْني لبنان في هذه القراءة، أنه في موازاة «ترقية» إيران لحزب الله والاحتفاظ به كـ «احتياط استراتيجي» لأي «حرب وجودٍ» تُفرض عليها، فإنّ اسرائيل بدورها وفي احتسابها احتمالاتِ الصراع الواسع تنطلق من تسليمٍ بأن أي استهداف شامل للحزب هو بمثابة إعلان حرب على الدولة في لبنان، باعتبار أنها وحزب الله باتا واحداً، في ضوء وضعية «الدولة الساقطة» (بالمعنى الاستراتيجي) بالكامل والتي زُجَّت في فوهة بركان غزة من دون أي «مقاومة سياسية» فاعلة.

ومن هنا، ترى هذه الدوائر أنّ جبهة جنوب لبنان لن تخرج عن ديناميتها المعهودة، من جانب حزب الله، ما خلا بعض «التوسيع المدروس» لزوم المسار «التذكيريّ» لإسرائيل بالجهوزية الدائمة لأي تصعيد والاستعداد لإلحاق مزيد من مناطق الشمال بزنار النار كلما تمادت في الخروج عن قواعد الاشتباك وهدّدت، على ما شكّله استهدافُ الحزب الثلاثاء (للمرة الاولى) مستعمرة «غشرهازيف» القريبة من نهاريا براجمة من صواريخ ‏الكاتيوشا.

وفيما كان الترقب يسود الكلمات التي ستُلقى في الاحتفال الذي أقامته «اللجنة الدولية لإحياء يوم القدس العالمي» تحت عنوان «منبر القدس» وبُثت في قاعة رسالات في بلدية الغبيري (الضاحية الجنوبية) وكل «دول المحور» لكل من الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله، قائد أنصار الله عبدالملك الحوثي، رئيس المكتب السياسي لـ «حركة حماس» إسماعيل هنية، الأمين العام لـ «حركة الجهاد الإسلامي» في فلسطين زياد نخالة وكلمة المقاومة العراقية – هادي العامري، برز حسْمُ أن إصابة 3 مراقبين عسكريين تابعين لهيئة الأمم المتحدة لمراقبة الهدنة في جنوب لبنان يوم السبت ناجم عن لغم، وليس عن استهداف بمسيّرة قيل حينها إنها إسرائيلية.

وفي حين اتّهم الجيشُ الاسرائيلي «حزب الله» بأنه هو المسؤول عن زرع «العبوة الناسفة» في مرحلة سابقة وانفجارها أثناء قيام المراقبين بدورية راجلة على طول الخط الأزرق في وادي قطمون في خراج رميش، ذكرت وسائل إعلام لبنانية قريبة من الحزب أن اللغم هو من مخلّفات الاحتلال الاسرائيلي.

‏وفي موازاة ذلك، حضر الملف اللبناني في محادثات وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في باريس حيث تلاقى مع نظيره الفرنسي ستيفان سيجورنيه على ضرورة تفادي توسع الصراع في لبنان وإيجاد حل ديبلوماسي مع تأكيد التنسيق عن كثب مع فرنسا في هذا السياق، في غمزٍ من مقترحاتٍ للبلدين، يتولّاها عن الجانب الأميركي الموفد آموس هوكشتاين عبر ما يُعرف بـ «الحل المتدرّج» لتطبيق القرار 1701، وسبق لسيجورنيه نفسه أن أودع بيروت شخصياً ورقة فرنسية في شأنها.

وعلى وقع هذه المناخات الديبلوماسية، كان لافتاً توزيع سفارة إحدى دول أوروبا الشرقية رسائل لكل رعاياها في لبنان تتضمن خطة عمل للانسحاب في حال حدوث أي حرب.

وتتضمن الخطة، بحسب وسائل إعلام لبنانية، تحضير جواز السفر والوقت المحدد للحضور إلى المطار وعدد الحقائب التي يجب اصطحابها معهم.

المصدر: الراي الكويتية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى