
أشار الأمين العام لـ “حزب الله” الشيخ نعيم قاسم خلال مقابلة على قناة “المنار” لمناسبة السنة الأولى لانتخابه أمينا عاما، إلى أن “حزب الله مشروع استراتيجي له علاقة بالرؤية، وله علاقة بمعالجة قضايا الناس والمواقف من كل ما يتحداهم ويتصدى لهم. من حيث الرؤية، نحن جماعة نلتزم بالإسلام المحمدي الأصيل، والالتزام بالإسلام يعني أن يكون الإنسان قد اختار منهجاً لحياته، هذا المنهج هو بالحقيقة منهج إيماني، فكري، ثقافي، عملي، سلوكي، سياسي، اجتماعي”.
ورأى أنه “إذا أراد أن يعرف أحدٌ هذا المنهج كيف يمكن أن يُطبّق، فلينظر إلى تجربة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم: كان في مكة المكرمة داعياً إلى الله تعالى إلى هذا المنهج الإلهي، وفي المدينة المنورة أقام دولة الإسلام، وكان قائداً للجيش، وخاض معارك عديدة من أجل تثبيت هذا المشروع ومواجهة الأعداء الذين اجتمعوا ضده وضد مشروعه، إضافة إلى أنه أقام بنية اجتماعية ثقافية سلوكية في داخل المجتمع، بمعنى آخر، الإسلام هو منهج حياة. نحن اخترنا الإسلام كمنهج حياة، فإذاً حزب الله هو الذي اختار الإسلام منهج حياته، وعندما نواجه تحديات معينة – سواء على المستوى الاجتماعي أو الاقتصادي أو الأخلاقي أو تحديات على المستوى التربوي، او على مستوى الاعتداءات واغتصاب الأرض والعدوان الإسرائيلي ومن ورائه – هناك موقف يجب أن نأخذه. ما هو الموقف؟ موقف المقاومة، التحدي، المواجهة”.
وقال: “نحن في عملية المقاومة في الحقيقة لا نقوم بمشروع أنه عندنا أرض محتلة نحاول أن “نزبطها زبطت معنا كان به، ما زبطت معنا خلص الأمر وانصرفنا؟ لا، هذه مقاومة، هذا جهاد، هذا مشروع، هذا منهج لكل الحياة، بداية ونهاية، هذا ليس منهجاً لجزء من الحياة، وليس منهجاً أنه إذا عملت أرباحاً تكتيكية فيه أخذته، وإذا لم أعمل أرباحاً تكتيكية تركته، لا. من هنا، عندما تأسس حزب الله على منهج الإسلام وعمل على أساس تبنّي مشروع المقاومة – لأنه فيه تحديات لا تُعالج إلا بالجهاد والمقاومة – معناها أن كل المنضوين تحت هذا الاتجاه لديهم استعداد ليعملوا أقصى التضحيات. لأنه بالإسلام يُقال: «إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة». ماذا يفعلون؟ يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون، وعدنا عليه حقاً في التوراة والإنجيل والقرآن. يعني نحن من الأول أخذنا هذا القرار: أننا نريد أن نواجه، ممكن نحصل على الشهادة، وممكن نحصل على الانتصار. قل: «هل تربصونا بنا إلا إحدى الحسنيين؟» إذن، ليس السؤال يوجّه إلينا: هل تعبتم أم لم تتعبوا؟ نحن لا نتعب، لأنه الحياة كلها امتحانات واختبارات. طبيعي أن تكون الحياة متعبة، غير الطبيعي أن يذهب الإنسان بسبب التعب إلى الاستسلام، أو إلى الانهيار، أو أن يغيّر مبادئه تحت عنوان ملذات آنية عادية عابرة.
لذلك، نحن الحمد لله، صلبون، مستمرون – ليس على قاعدة أفراد، لا – كل المنتمين إلى هذه المسيرة في حزب الله والمقاومة، سواء الذين كانوا داخلها منظمين أو الذين كانوا معها مؤيدين أو الذين كانوا يسيرون بهذا الاتجاه بشكل عام، هؤلاء جماعة يتحملون كل التحديات ويتجوّهرون أكثر”.
وأضاف: “لفت نظري قبل يومين، كنت أتابع إحدى القنوات التلفزيونية، فسمعت في إحدى المقدمات تقول: «كل العالم وكل الأحزاب وكل القوى تمر بمرحلة تكون فيها في القمة، ثم تأتيها ضربات، ومشاكل، وتعقيدات، فتبدأ بالانخفاض تدريجياً حتى تنمحي وتزول، إلا حزب الله، فقد ظهر بعد أن اشتدّت عليه الضربات القاسية جداً، فتجوهر أكثر، واجتمع الناس حوله أكثر، وصار عندهم تفاعل أكثر». في هذا الموضوع كان لديها موقف صحيح، فقالت: «نحن نفتش عن السبب»، فكان السبب أن هذا الاعتقاد الإيماني بالغيب هو الذي صنع هذه الصلابة. العالم الآن الذين قدروا أن يكتشفوا، فأنا أقول لك الآن: صحيح، إن هذا الإيمان بالغيب يتجوهر أصلاً ولا يصنع حالة تراجع حين يكون هناك تحديات.
هنا، ألفت إلى أية كريمة، تقول: «الذين قال لهم الناس: إن الناس قد جمعوا لكم، فخشوهم، فزادهم إيماناً وقالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل».
يعني كلما زاد الضغط، زاد إحساس الواحد بأنه مسؤول عن الحفاظ على هذا الاتجاه الذي آمن به – وهو اتجاه الإسلام والمقاومة والحياة العزيزة والالتفاف في إطار الوحدة”.
وتعليقا على توصيف البعض للشيخ قاسم بأنه استشهادي، أجاب: “صحيح، لكن دون أن يدركوا أن كل من في الحزب استشهاديون. لماذا؟ ذلك الذي يجلس على خط التماس الأول، أو الذي يقف خلف الصاروخ، أو الذي قدّم أغلى ما يملك قربةً إلى الله تعالى – تلك العائلات التي تربّي على هذا الاتجاه وتحتمل كل العقبات – كلهم استشهاديون. أنا واحد من هؤلاء الاستشهاديين. إذن، هذه ليست ميزة خاصة بي، لا، لأن هذا الخط يصنع الاستشهاديين، وبالحقيقة لا يستمر فيه ولا يبقى فيه إلا من يريد أن يكون استشهادياً. وكلمة “استشهادي” تعني القبول باقتحام الصعاب من أجل تحقيق الفكرة التي يؤمن بها الإنسان، وليس معناها أن الإنسان يطلب الموت، لا، بل إنه لا يهاب الموت.
الآن، لما جاءت المسؤولية بشكل مفاجئ جداً جداً جداً – لأنني لم أكن أتوقع أن نخسر الأمين العام الثاني بهذه الفترة الوجيزة وبالطريقة التي حصلت – لم أكن أتوقع ذلك. لقد عبرتُ من قبل، فقلتُ: أحسست للحظات أن حياتي انقلبت، فكل شيء صار بحاجة إلى تغيير عندي: طريقة حياتي بدأت تتغير، وطريقة متابعاتي بدأت تتغير. لكن حقيقة في هكذا تفكير وتأمل شخصي، قلتُ: أنا اخترت هذا الطريق – وهو طريق الإسلام، طريق المقاومة – طيب، هذا الطريق لا يخلو من صعوبات، ولا ندري متى يأتي النجاح، ولا متى نرتاح أو نتعب، فبما أنني اخترت هذا الطريق، فعليّ أن أقبل كل ما يوجد في قلبه. لا، أنا أقول لك: قبلتُ باطمئنان، واعتبرتُ أن الله عز وجل يسدّد ويساعد، وهذا ما شعرتُ به من اللحظة الأولى وحتى الآن. أنا لا أبالغ حين أقول لك: “الله حَدِيّ”، لأني أعتبر أن هناك تسديداً إلهياً كبيراً جداً، في النهاية، هذا المنهج منهجه، وهذا الطريق طريقه، والحمد لله هذا المسار إن شاء الله يتقدم إلى الآن”.
وردا على سؤال حول مشاعره بعد استشهاد رفيقي الدرب والجهاد السيدين حسن نصر الله وهاشم صفي الدين، أجاب: “إذا كنتُ وحيداً، فهل أستطيع أن أعمل شيئاً؟ لا أستطيع أن أعمل شيئاً. هذا حزب يا أخي، فيه شورى، فيه قيادات، فيه مجاهدون، فيه شعب، فيه كشّاف، كل هؤلاء الناس موجودون. هذا الحزب لا يُدار بفرد واحد، ليس أن فرداً واحداً هو الذي يصنع الحزب أو لا يصنعه. هذا الحزب، إذا لم يكن معه أناس يساعدونه، وأناس يعملون معه، وأناس يقومون بوظائفه، فلا يستطيع فرد واحد أن ينجز. أنا لم أشعر أنني وحيد، ولم أكن وحيداً، الحمد لله، كنا نتشاور مع الإخوان، مع أعضاء الشورى – مثلاً في القرارات التي تكون تحتاج إلى قرارات شورى – كنتُ أتداول أنا وإياهم بطريقة معينة، وكنا نأخذ القرارات بناءً على قرار جماعي. مع القيادات العسكرية، كنا نتشاور، وكنا نُعطى الأوامر، وكنا نسمع الاقتراحات، وهم أيضاً يقومون بأدوارهم. لا، لو لم تكن هناك جماعة تعمل، لما استطعنا أن نحقق الإنجاز. أنا أقول: إنجازات معركة “أولي البأس” هي إنجازات الحزب كحزب، والمقاومة كمقاومة، وليست إنجازات فرد واحد، كل هؤلاء الأفراد مع بعضهم، وكل واحد يقوم بوظيفته”.
وحول العرض الذي قدم إليه خلال الحرب للإنتقال إلى إيران أكد أن “أحد الإخوة هو قائد بالحرس كان موجود في لبنان، فطلب موعد عاجل وسريع، فرتبنا الموعد والتقينا، قال لي: أنا أرى من المناسب أن تذهب إيران. فسألته لماذا؟ فأجاب لأنه استشهد أول أمين عام، واستشهد ثاني أمين عام، والظاهر أنت أيضاً سوف تلحق بهم، وبالتالي لا توجد إمكانية أن يختبئ الواحد في هذا الوضع القائم، أو يتحرك، وأنا أضمن لك إذا ذهبت أنت إلى هناك كل ما تريده من وسائل اتصال وتواصل مع المعركة ومع الشباب ومع القيادات بحيث لا يشعر أحد أنك أنت غائب. فقلت له: المهم أن أشعر أنا بأني غبت أو لم أغب. هل أستطيع أن أترك معركة كل الناس موجودون بها، كل الشباب موجودون بها، أنا لا أستطيع. لا أستطيع أبداً، وهذا أمر محسوم بالنسبة لي. يجب أن نعمل نحن والإخوة الممعنيين بالحماية أن نؤمن الظروف الملائمة للحماية، لا أن نذهب من المكان ونغادر المكان. لم أقبل لأنه لا إمكانية إلا أن يقود الواحد في الميدان، وأن يكون في قلب المعركة. أصلاً لا يوجد حس أخلاقي أن لا يكون الشخص موجود مع إخوانه. لذلك أنا اعتبرت أن تكليفي وواجبي، ثم أن الأعمار بيد الله تعالى ولازم أن نعمل الإجراءات المناسبة وعلى الله الاتكال، والحمد لله”.
وأردف: “أول ما استشهد سماحة الأمين العام سيد شهداء الأمة السيد حسن رضوان الله تعالى عليه، بحسب النظام نائب الأمين العام يحل مكانه، إلى حين انتخاب أمين عام جديد، فأنا استلمت مباشرة بعد الأمين العام، تحدثت أنا وسماحة السيد هاشم رضوان الله تعالى عليه، وكلفته وقلت له دعنا نوزع الأدوار بحسب الوضع القائم بما أنك أنت الآن في المجلس الجهادي وقريب من الإخوان، انت تابع الموضوع العسكري، وأنا أتابع الموضوع السياسي والإعلامي والموضوعات الأخرى ونتشاور بالتفاصيل حتى كنا نتشاور متى نضرب تل أبيب ومتى لا نضرب تل أبيب، في هذه الفترة القصيرة الموجودة، عندما استشهد سماحة السيد هاشم، يعني سماحة السيد كان يقول تقريباً يوم الأر بعاء قبل شهادته بيومين حسم أنه سيكون هو الأمين العام ، اتفقنا ربما السبت أو الأحد يعلن هذا الأمر، لكن كنت لا أزال أتابع، عندما استشهد يوم الخميس، أنا بقيت أتابع كنائب أمين عام محل الأمين العام، يعني لم تتغير المتابعة. وللعلم استشهاد سماحة السيد هاشم كان ب 4 الشهر، أنا اختارني الإخوان أميناً عاماً ب9 الشهر ولم بعلن عن ذلك لأنه كان هناك مشكلة أساسية، لم نستطع أن نخرج الجسد الطاهر لسماحة السيد هاشم. أيضاً احتمال الحياة كان قائماً، كيف تعلن عن أمين عام في الوقت الذي لم يكن معروفاً بعد مصير الأمين العام السابق. من هناك سواء كنت تسمي بصفة نائب الأمين العام الذي حل محل الأمين العام أو بصفة الأمين العام الذي أصبحت عليه في 9 الشهر. في الحقيقة أن كنت أتابع وتابعت بشكل طبيعي كل هذه المرحلة، حتى لم استخدم عبارة أمين عام بداخل تركيبة الحزب، لماذا؟ لأنه أولاً يجب أن نعلن والإعلان لا يحصل إلا بعد كشف المصير، من هنا بعدما حصل كشف مصير لسماحة السيد هاشم في 29 يعني بعد أسبوع على كشف مصير السيد هاشم، حصل إعلان عن الأمين العام. كل هذه الفترة الإدارة كانت بحسب النظام الموجود. قصة أن الإيرانيون يديرون هذه قصة اخترعوها ، لأنهم لم يشاهدو شكل تنظيمي واضح بالنسبة لهم. لكن نحن لا يوجد مشكلة لدينا كحزب، نائب الأمين العام يحل مكان الأمين العام في كل شيء، وهذا الذي كان يحصل على المستوى العملي. أحب أن أذكّر أن الكلمة الثانية التي كانت في 8 تشرين الأول، يعني بعد أربعة أيام من شهادة السيد هاشم. في 8 تشرين الأول، كان هناك كلمة بمناسبة الذكرى السنوية الأولى لطوفان الأقصى، في هذه الذكرى في الكلمة ورد أننا استكملنا منظزمة القيادة والسيطرة. بعض وسائل الإعلام والأجانب والإسرائيليين، اعتبروا أن هذا كلام معنوي لرفع معنويات الناس، لكن بعد أربعة أو خمسة أيام وجدوا أن الجبهة منتظمة ويسقط عدد من الصواريخ والطائرات المسيرة بشكل منتظم، هذا لا يحصل إذا لا توجد إدارة، إذا لا توجد طريقة في المتابعة، من هنا أريد أن أقول الحمد لله استعدنا العافية سريعا وملأنا المراكز المختلفة، وكانت الإدارة إدارة فعّالة من كل الإخوان الذين كانوا يعملون، كانوا يتعاونون، أنا أقول لك: مرّى علينا عشرة أيام، وانا دائماً هذه أقولها: من 27 يوم شهادة السيد االله يقدس روحه إلى 7 كانت صعبة كثيراً علينا، هذه الأيام العشرة، أنا سميتها أيام زلزلة بالنسبة إلينا، لكن بعدها بدأت تنتظم الأمور بشكل تدريجي، والحمد لله كانت المتابعة طبيعية، والمعركة كان يديرها حزب الله بقيادته وقياداته والشورى وبمتابعة من المجاهدين والمجاهدات وكل الذين يعملون”.
وأكد أن “الرسالة التي وجهها لي مرشد الجمهورية الإسلامية سماحة السيد الإمام علي الخامنئي بعد انتخابي أمينًا عاماً، كان لها قيمة كبيرة كبيرة عندي، لأن التعبير الذي استعمله سماحة الأمام القائد الخامنئي دام ظله يقول : إني سأدعمك بنفس المقدار الذي كنت أدعم فيه السيد الشهيد. ماذا يعني أن الولي الفقيه يعطي هذا الدعم بنفس المستوى الذي كان يعطيه لسيد شهداء الأمة وهو من هو وفي موقعه وفي دوره. أنا أعتبرت ان هذه جرعة من الدعم الذي يساعد على أن يستطيع الأمين العام يقوم بالقيادة المطلوبة. يعرف أن الولي وراءه والقائد حاضر لكل دعم، وحقيقة لاحظنا لاحقاًَ أن الدعم المالي وكل أشكال الدعم كانت متوفرة، وكان حسب ما عرفت لاحقاً سماحة الأمام القائد الخامنئي دام ظله كان لديه متابعة تفصيلية لأجواء المعركة ونتائجها ومستوى الحاجات والدعم، وإلا كيف تأتي هذه الإمكانات وهذه المساعدات وكيف يأتي حتى التسلح في وقتها بأثناء المعركة، كان يحصل عبر سوريا وبالطرق المختلفة، هذا كله بسبب هذا الدعم. أكيد بالنسبة لي، كان يعني لي كثيراً هذا المستوى من الدعم لأني بحاجة إلى أن يساعدني أحد ويكون معي، سواء من إخواني بالشورى والقيادات أو من القائد الأعلى الذي يعطي الزخم والمعنويات، فضلاً عن أنه حقيقة هو حاضر على المستوى العملي”.
وقال الشيخ قاسم: “بعد أسبوعٍ من إدارتي لمعركة أولي البأس قال لي أحد الأخوة: «لا يخفى عليك أننا متفاجئون». فقلتُ له: في هذا الحزب هناك قيادة. هذه القيادة تضمّ عددًا من الأفراد، كلهم مؤهلون للقيادة. لماذا؟ لأنهم مستوعبون الفكر الثقافي والإيماني، ومستوعبون الفكر السياسي، ويعرفون استراتيجية العمل، وهم جالسون يديرون وينظّمون. إذن، يجب أن يكون أحدهم عارفًا بالاستراتيجية.
ثانيًا، يجب أن يكون لديه قدرة إدارية. لا يوجد أحد في هذا الموقع أو المكان إذا لم يكن لديه قدرة إدارية معينة. فحين يتوفر الرؤية الاستراتيجية وقدرة الإدارة، تسير الأمور فورًا.
أما في موضوع إدارة المعركة، ففي الحقيقة كان أحدهم يبحث عن بعض الطرق التي تتناسب مع الظروف التي نحن فيها. مثلاً: حدثت صعوبة في الاتصالات. بقيت الاتصالات، لكنها كانت صعبة لأنها مكشوفة.
حسنًا، عليك أن تبتكر طرقًا في الاتصال، وطرقًا في التواصل، وطرقًا في عقد الاجتماعات، وطرقًا في تبليغ القرارات، تتناسب مع الوضع العسكري الصعب القائم، وقد جرى كل ذلك، وبدأنا نطوّره أكثر، فأصبح التواصل والحركة والإدارة، وكذلك اتخاذ القرار. فمثلًا، القرار عندنا معروفٌ أنه قرار شورى. حسنًا، بدأ الاتصال بأعضاء الشورى، وبدأ أخذ آرائهم. أحيانًا لا توجد إمكانية لاجتماع. حسنًا، هناك طرق أخرى يمكن اعتمادها، فاعتمدناها من أجل التواصل.
ففي موضوع الإدارة والمتابعة، بالتأكيد هناك مجموعة من الطرق، لكنني لا أستطيع أن أذكر تفاصيلها. دعونا نبقي بعض الأسرار، بالتأكيد، لأنها تتعلّق بطريقة الإدارة. لكن بإمكانك أن تعرف من النتائج – أي أن الصواريخ اليوم تُطلَق منتظمةً كل يوم بمعدل 150 صاروخًا وطائرةً لمدة أشهر، شهرين – هل يمكن أن يحدث ذلك من دون إدارة؟! لكن كيف يتم التواصل؟ هنا يكمن السر الذي يبقى وفق تفاهماتنا مع الإخوان الذين يعملون. والحمد لله، هناك أيضًا أناس نعمل معهم، ولديهم كفاءات وقدرات، وقد ساعدوا في هذا الموضوع أيضًا”.
وعمّا إذا كانت عملية إطلاق الصواريخ ومواقع الاستهداف كانت تعود إلى القرار السياسي، أم كانت هناك مساحة اجتهاد لأهل الميدان، أوضح أن “في إطلاق الصواريخ هناك أمران أساسيان:
أولًا: إطلاق روتيني، أي مثلاً يجب أن يُطلَق كل يوم 100 صاروخ، هذا يُسمّى إطلاقًا روتينيًّا، وهو مئة صاروخٍ مثلاً يجب أن تصيب أماكن معيّنة هنا وهناك، أي تُحدّد الأماكن.
ثانيًا: نوعٌ آخر من الإطلاق، كاستهداف تل أبيب أو استهداف أماكن معيّنة في حيفا أو استهداف مواقع معيّنة في بعض الثكنات، هذا يحتاج إلى قرار خاص.
الطريقة التي كانت منسّقة بين الأمين العام والقيادة العسكرية كانت تضع جدولًا، في هذا الجدول ما يُنفَّذ على مدى عدة أيام، وهناك شيء آخر يرتبط بحادثة معيّنة، أي أننا نريد أن نضرب تل أبيب، وهذا يحتاج إلى إذنٍ في وقته.
كل هذا كان يُتابع، وفق خطة بآلية التواصل، لكن لم يكن هناك شيء عشوائي، بل كان كل شيء بناءً على اقتراحات القيادة العسكرية ومتابعة الأمين العام والقيادة العسكرية المباشرة”.
وبالنسبة إلى استهداف منزل نتنياهو خلال المعركة أكد أن “أحد الإخوان الذين كان لهم علاقة بالميدان، وكان عنده الخارطة ويعرف التوزيعات المتعددة، أخبر مسؤوله وقال له: «إذا كان عندكم فكرة لضرب هذا المكان، فأنا قادر أن أُعدَّ الإحداثية الدقيقة من أجل ضربه». فأخذ الإذن وضرب، وكان موفقًا هذا الأخ بأنه قدر أن يركب الإحداثية بطريقة صحيحة.
مثله كثيرون، لأن الإخوان مدرّبين ولديهم خبرات عالية، بدليل أن كل الأماكن التي استهدفوها وأرادوا إصابتها أصابوها، بحمد الله تعالى.
فكان نعم، هذه الضربة مقصودة إما لإصابته، وإما لإصابة منزله، لأنه لا يعلم الواحد في هذه اللحظة أنه كان في المنزل أو لم يكن في المنزل، ليس لهذه الحدود نحن واصلون في الموضوع، بل نفس الاستهداف كان للمنزل، ولغرفة النوم بالتحديد. وكان هذا إنجازًا استخباريًّا إضافيًّا إلى إنجاز عملياتي أيضًا، لأنه تحققت الإصابة فيه”.
وأعلن: “كنا نضرب تل أبيب بين حينٍ وآخر: صاروخ أو اثنين أو ثلاثة، وحيفا صارت هدفًا دائمًا تقريبًا. فقُدِّم اقتراح: «خلينا نعمل جولة استثنائية». يعني هذا النموذج لا يحصل كل يوم، بل يحصل في بعض الأيام.هذا النموذج لو طالت الحرب لكان يمكن أن يتكرر في أيام أخرى. في ذلك اليوم، اتُّخذ قرار: «خلينا نعمل كدة خاصة، كجزء من الإيلام الذي قد يُسرّع موضوع الاتفاق على وقف إطلاق النار». والحقيقة، كان ذلك بناءً على قرار سياسي، وليس مجرد عمل ميداني. حتى القيادة العسكرية مستوى انضباطها والتزامها عالٍ جدًّا. هذا التفريق غير موجود: الجبهة والقيادة السياسية والأمين العام وأعضاء الشورى، كل الوضع القيادي واحد، وكل هذا مترابط مع بعضه، وواحدة من التوفيقات الإلهية أننا استطعنا خلال الحرب أن نكون متلاحمين ومتفاعلين، حتى إن البعض قد يستغرب أن بعض القرارات التي تظهر – مثل القرار حول وقف إطلاق النار وتفاصيله ، أخذ نقاش، ليس الأمر أن نقول: «يا جماعة، عندنا هذا، فما رأيكم؟ إيه أو لا؟» لا، ليس “إيه أو لا”. قد يقول أحدهم: «ربما نضع هذه الملاحظة».ويقول آخر: «لا، لدينا تعديلات معينة». حصل نقاش حقيقي، فجئنا بالاتفاق كله كما هو، ووزّعناه على أعضاء الشورى وبعض الأشخاص حول الشورى أيضًا، فبدأت تأتي آراء: هذا يقول «اعمل هكذا»، وذاك يقول «افعل كذا»… إلى آخره. كان هناك نقاشات قبل أن تُطرح النتائج، وهذا يدل على أن هناك منظومة قيادة وسيطرة سياسية، وكذلك عسكرية”.
واعتبر الشيخ قاسم أن “الضربة التي حصلت في 23 أيلول، قبل شهادة سماحة السيد، شهيد الأمة بأربعة أيام، والتي بلغت ألفًا وستمائة غارة، وارتقى فيها خمسمئة وخمسون شهيدًا وشهيدة – لأن المدنيين أيضًا سقطوا – كانت ضربة مؤثرة جدًّا، ولما صارت ضربات القيادات أيضًا، لعب ذلك دورًا في إنقاص القدرة وإنقاص الجهوزية. فلما جئنا نحن، وبدأنا بمتابعة المعركة، كنا نتابعها بقدرة منخفضة عن القدرة الأولى، وكذلك بمعطيات كنا نراقب من خلالها الأثر والنتائج.
يعني كان أحدهم يقول في قلب المعركة: «طيب يا عمي، خلينا نضرب عشوائيًّا». أكيد سنُصيب مباني، ونُشعل حرائق ونولع كاريش، ونفعل ما نفعل. هل نستطيع؟ نعم، لكن كنا ننظر أنه إذا أردنا أن نتصرف بوحشية، فالعدو أوحش؟ وبالتالي سنَدفع ثمنًا باهظًا. لذلك كنا محافظين على الدقة، فاستهدفنا الأهداف العسكرية فقط. وباستهداف الأهداف العسكرية، ومراعاة ظروفنا الموجودة وتقديرنا السياسي لما يجدي وما لا يجدي، كانت هذه النتيجة التي شاهدتموها أمامكم.
هذا نتيجة تقدير وقدرة.
الآن، قد يقول البعض: «لو كانوا يضربون كل يوم تل أبيب لكان أفضل».
أولًا، يجب أن تنظر إلى قناعتنا وقتها، نضرب كل يوم تل أبيب أو لا.هذه واحدة. ثانياً كيف كنا نريد أن ندير المعركة بحيث نستطيع أن نضمن أطول فترة ممكنة من المواجهة، ولا نجد أنفسنا أمام وضع لا قدرة لنا على الاستمرار فيه. كل هذا يدخل في الحسابات”.
وتابع: “نحن بعد شهادة السيد حسن الله يُقدّس روحه بيوم، ضربنا منطقة أدوميم معاليه أدوميم، التي تبعد 150 كيلومترًا عن الحدود، وهي في منطقة القدس. هذه واحدة من الردود التي حصلت. نحن في النهاية عملنا ما نقدر عليه، بتقديرنا هذا الذي فعلناه هو الممكن.
قد يخرج أحدهم ويقول: «كان عليكم أن تفعلوا أكثر أو أقل». لكن الذي ينظر من خارج الميدان شيء والذي يدير الميدان شيء آخر، أعتقد أننا عملنا الذي يجب أن نفعله ونقدر عليه”.
وأشار إلى أن “المطلوب من الأمين العام أن يقول: هل نقصف؟ وكم نقصف؟ وأين نوجه القصف؟ ومتى نتوقف؟ وما الكمية؟ وما هي الاستهدافات؟ ليس المطلوب من الأمين العام أن يعرف تركيب المدفع والدبابة والمدايات والصاروخ والقذيفة والطائرة.
لديّ فكرة كأمين عام: إنه صار لازم نقصف حيفا. نسأل المسؤول العسكري: «كيف نقصف حيفا لنُوصل الوجع إلى المستوى الفلاني؟»
فيقول: «هناك ثلاث وسائل: واحد، اثنان، ثلاثة».
فأقول: «برأيك أنت كمسؤول عسكري، أيها أفضل وماذا يفعل؟»
فيقول: «هذا يُصيب هنا لكنه يفعل كذا، وذلك يُصيب هناك لكنه يفعل كذا».
فنقول: «أعطينا الخيار الثاني، وتوكلنا على الله».
فإذا أنت تعتمد على الخبرات الموجودة، فهي التي تقدّم لك الاقتراحات. حتى في قلب المعركة، كان الإخوة الجهاديون العسكريون يقولون مثلاً: «نحن نقترح أن نضرب تل أبيب مرة كل ثلاثة أيام».
ويقول آخر: «لا، لازم نضربها يوميًّا».
ويقول ثالث: «لازم الآن نركّز على حيفا».
كانت تُقدَّم اقتراحات، وكنا ندرس: أي اقتراح أفضل حسب الوضع السياسي؟ لا توجد معركة بلا بعد سياسي، لأنه يجب أن تنظر أولًا: كم يمكن أن تستمر المعركة؟ هذا يلعب دورًا في كيفية الرد.
ردود فعل العدو تلعب دورًا. ما الذي تريد أن تستهدفه؟ وأين تريد أن تصل؟
وإذا تذكرت، فقد قلنا أثناء المعركة: «نحن نريد إيلام العدو». لا أخفي عليك أن بعضهم اعترض عليّ وقال: «ما هذا الإيلام؟ امسح الأخضر واليابس فيهم!»
فقلت له: «لا. إذا قلت لهم إني سأمسح الأخضر واليابس ولم أفعل، فماذا أكون قد عملت؟ أكون بلا مصداقية».
«إيلام العدو» هو هدف واقعي يمكن الوصول إليه. وبالحقيقة، آلمنا العدو. كم بلغ مستوى إيلامنا للعدو؟ هذا يُقاس. فهذا الموضوع مرتبط بقراءة الظروف وتقدير الموقف، وكيف يجب أن نعمل.
في معركة “أولي البأس”، نحن بدأنا ننتقل إلى مرحلة جديدة تختلف عن المرحلة التي كانت قبل معركة “أولي البأس”، يعني الأدوات مختلفة، هناك أشياء كثيرة تحتاج إلى تعديل بطريقة التعاطي، الجمهور عليه ان يتقبّل أشياء ما كان بالأول عايشها ولا يتقبلها.
في النهاية، عندما يتغيّر عندك الوضع هناك أشياء سوف تتغيّر، بدها تتغيّر بالإدارة، بدها تتغيّر بالتصريح، بدها تتغيّر بتقبّل الجمهور، بدها تتغيّر بالتفاعل. ما بتقدر، أنت في مرحلة كان لها ظروفها، تنقل كل التفاصيل التابعة لها للمرحلة التانية؟ لا، تختلف، نحن أصبحنا في وضع مبين أنه ما في توازن بالقوة بيننا وبين إسرائيل بشكل فاضح جداً، مع الضربات التي ضربونا إياها: مش هيني، يعني بين البيجر وبين اللاسلكي وضرب القدرة النوعية، واستشهاد أمينين عامين وقيادات… هذه كلها يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار بكيفية متابعة المعركة وكيفية الاستمرار”.
اورأى أن “الإدارة واحدة. يعني، إذا كان عند الإنسان قدرة إدارية، فهذا يعني كما يستطيع أن يدير مؤسسة، أو يدير بالسياسة، يدير شؤونًا عسكرية أو شؤونًا اجتماعية، لكن تختلف التفاصيل، وتختلف الاختصاصات، وتختلف الأدوات، لكن المنظومة الإدارية لها منهجية معينة في كيفية المتابعة.
الحمد لله، أنا أشكر الله عز وجل ولا أتوقف عن الشكر على الإطلاق، بأن التجربة السابقة في الإدارة في المواقع المختلفة – سواء المواقع التربوية أو الثقافية أو الاجتماعية أو الانتخابات النيابية أو بإدارة النواب والعمل الحكومي – كلها مواقع متفاوتة ومختلفة عن بعضها البعض، وقد أكسبتنا خبرة. أكيد استفدنا منها.
فكلما تصدّى الإنسان لموقع معين، يتصدّى بكفاءة معينة يمتلكها، وينظر كيف يوظفها في الموقع الذي يشغله. فإذا كانت مناسبة، فمن المفروض أن تعطي نتيجة مناسبة. وقبل هؤلاء جميعًا توفيق الله عز وجل”.
وردا على سؤال عن مبالغة “حزب الله” في عرض أو باستعراض فائض القوة قبل الحرب الأخيرة، قالى الشيخ قاسم : “فائض القوة التي كانت تعرض بالأول، أدت ثمارها؟ من سنة 2006 إلى 2023، الردع لإسرائيل كان بسبب إبراز فائض القوة.فكانت هذه الطريقة أدت خدمتها ولديها فائدتها في المرحلة التي كنا فيها. فإذا جاء أحدٌ يقول: “لماذا فعلتم ذلك؟ ولماذا لم تفعلوه؟”، فالسؤال ليس: هل فعلناه أم لم نفعله، بل: هل أدّى فائدته أم لا؟
الآن، بعد معركة “أولي البأس”، هل ينفع أن تقول: “عندي فائض قوة” أو “ليس عندي”؟
برأيي، الآن صار تكتيك مختلف، والعرض مختلف. بالعكس، الآن لا نعرض فائض القوة، ولا عندنا فائض قوة. نحن نشتغل بطريقة عادية. لدينا القوة التي لدينا، فلماذا أفيضها؟” .
ورأى أنه “لا يُعقل أن يكون العدو على حدودنا يضرب المقاومة بطريق الإبادة، ليتفرغ بعد ذلك لبقية المنطقة، فيصبح الجميع صريعاً، لاحقاً أصبح نتنياهو يعلنه فيقول إسرائيل الكبرى وما شاكل.
فمن ناحية سياسية، ومن ناحية أدبية، ومن ناحية أخلاقية، ومن ناحية إيماننا وقناعتنا: مشاركتنا في معركة الإسناد كانت في محلها وصحيحة، ولو تكرر الأمر، لكررناه على نفس المبدأ.
أما لو افترضنا أننا كنا نعلم أن سماحة السيد نصرالله سيُستشهد… فإن الأعمار بيد الله تعالى. ثم، من قال إن سماحة السيد لم يكن يتمنى الشهادة؟ وبالتالي، فإن من يعلّق عشوائياً على أمرٍ هو بيد الله تعالى، وعلى أمرٍ يتمناه القائد أن تختم حياته في الوقت الذي يقرره الله تعالى بالشهادة هذا لا لعلاقة له بالإسناد لها علاقة بانتهاء العمر.
فالربط بينهما في نوع من الاتجاه السياسي لتشويه صورة المشاركة بعملية الإسناد… كل ما حصل كان في محله، ونال سماحة السيد ما تمنّى أسمى المواقع والشهادة. وعلى كل حال، أثبت هذا الرجل العظيم أنه ترك وراءه حزباً وأمة تستطيع أن تحمل هذه التعاليم التي رسخها في حياته بقوة عظيمة، وهذا بحد ذاته إنجاز غير عادي.
كل الناس كانت تراهن، وكل الأعداء كانوا يراهنون أن ما حصل مع حزب الله يمكن أن يُبيدَه عن بكرة أبيه. تبيّن أن هذا الحزب – الذي كان قائده سماحة السيد حسن رضوان الله تعالى عليه، سيد شهداء الأمة – بيّن أنه مأصَل بطريقة ومبني بطريقة يستطيع أن يستمر إن شاء الله إلى تسليم الراية لصاحب العصر والزمان، أرواحنا لترابي مقدمة الفداء. لن يسلمها أحد إلا نحن”.
وأردف: “هناك تعبير كان يستعمله الإمام الخميني قدس سره “اقتلونا فإن شعبنا سيعي أكثر فأكثر»، ورددها سماحة السيد عباس الموسوي رضوان الله تعالى عليه أكثر من مرة، وكان يرددها سماحة السيد حسن رضوان الله تعالى عليه:
«بالحقيقة القتل والشهادة ولّادة للحياة».
من قال إن الشهادة تعني أن الإنسان يتقهقر إلى الوراء؟ بالعكس. فشهادة الإمام الحسين عليه السلام – التي هي استثنائية بكل المعايير، سيد شهداء الجنة وسيد شهداء العالمين من الأولين والآخرين، هو ومجموعته كلهم سبعون رجلاً استُشهدوا – ماذا حصل بعدها؟ تبيّن أنه وُلدت طاقة استثنائية.
واليوم، واحدة من عوامل البناء المركزي عندنا هو عاشوراء.
ما يحصل في عاشوراء من صناعة الأجيال وتربية الأفراد – رجالاً ونساءً، شباباً وشابات وأطفالاً – لا يمكن أن يحصل بأي طريقة أخرى.
فلننظر إلى النتيجة التي ظهرت الآن، وقد مرّ علينا عام، اليوم: البيئة، المجاهدون، الوضع القائم… كيف تنظر إليهم؟ أنا اليوم أحسن مما كنا عليه قبل معركة “أولي البأس”. أي أنه يوجد تحسن في التفاعل، وفي العاطفة، وفي القوة، وفي الصلابة، وفي العزة، وفي التحدي، وفي قرار الاستمرار.
أما بالنسبة للمجاهدين الذين كانوا على الخطوط الأمامية، فبالحقيقة هم ليسوا فقط استشهاديين، بل هم استشهاديون ولائيون “واللهويين”، أي مغسولون من فوق إلى تحت بعشق رب العالمين والتفاعل معه، وحب أن يكونوا أقرب إلى رضوانه.هم باعوا جماجمهم لله تعالى. كل واحد منهم قبل أن يذهب، كان يعلم أنه لن يعود. أي أنه يعلم أنه سيُستشهد في سبيل الله تعالى.هم جماعة كانوا يقاتلون حتى آخر نفس. كان الواحد منهم يقاتل ويُجرح ويظل في مكانه، ثم يعود ليقاتل مرة ثانية وثالثة.
بعض الذين عادوا لا يصدقون أنهم عادوا، لأنه يُفترض بحسب ما فعلوه أن لا يعودوا… لكن ماذا عساهم أن يفعلوا؟ الذين أمامهم جبناء، أي أنهم لا يقتربون كثيراً، ولذلك لم يتمكنوا من اصطيادهم إلا بالقدر الذي تمكنوا منه.
فأقول إن شباب المجاهدين من المقاومين بالحقيقة أسطوريون. هل يقول لك أحد أنهم أوقفوا أمام خمسة وسبعين ألف جندي؟ كم عددهم هم؟ هم مئات. أي ليس عدداً ضخماً، بل الإرادة الموجودة عندهم، والإيمان الموجود عندهم، لا شيء يخيفهم على الإطلاق إلا الله تعالى. وقد أعطاهم الله هذه العزيمة وهذه القوة الاستثنائية. لذلك صمدوا، وصمودهم جعل العالم كله مندهشاً: كيف يصمد هؤلاء؟
بالتأكيد، شهادة سماحة السيد – الله يُقدّس روحه – أعطت زخماً إضافياً. أي أنهم استشهاديين، ولكن مع الشهادة… طيب، إذا كان قائدهم قد قدّم روحه وقدّم نفسه، فهذا أكثر دافع لأن نكون نحن على استعداد، إذا استلزم الأمر، أن نقدّم أرواحنا.
من هنا، النموذج غير عادي وأسطوري. والحقيقة، أقول لك إن العالم كله مندهش: العدو والصديق من عطاء المجاهدين.
بالحقيقة، هؤلاء يستحقون أن يُتقبّل التراب تحت نعالهم، لأن ما قدّموه سيبقى على مستوى المستقبل كله.
هم لم يرسموا معركة “أولي البأس” فقط، بل رسموا معركة البأس التي ستستمر إلى يوم القيامة إن شاء الله”..
واعتبر أن وجود “رجال المقاومة منعوا خمسةً وسبعين ألفًا من التقدم. يعني منعوا احتمال الوصول إلى مجرى نهر الليطاني. منعوا احتمال أن تصل إسرائيل إلى العاصمة بيروت. منعوا احتمال أن تحقق إسرائيل أهدافها.
بالتأكيد، صمودهم لعب دورًا. يعني مثلما كانوا صامدين على الجبهة الأمامية، لا ينبغي أن ننسى أن الذين في الجبهة الخلفية – الذين يطلقون الصواريخ، ويطلقون المدافع، ويطلقون الطائرات، ويرابطون في أماكن مختلفة – يعني على كل المستويات، فالحقيقة أن الجبهة لم تكن فقط في الأمام، بل كانت في كل الأماكن. لكن هؤلاء قاموا بدور الصد في هذا الموقع. من هنا، أقول: إن هذا التكامل الذي كان موجودًا، ودورهم العظيم، كان أحد أسباب أن الإسرائيلي وصل إلى وضع لم تعد نافعة المعركة.
في المعركة، لم يأتِ الأمريكيون ليقولوا في اليوم الذي كان فيه هوكشتاين يعمل الاتفاق: «تعالَ أُقْلْكَ، أنت ماذا حققتَ؟ تقتل وتقتل وتقتل وتقتل، هؤلاء الجماعة لا يستطيع أحد أن يقدر لهم، هؤلاء سيظلون هكذا دائمًا».
طبعًا، أنا أفترض هذا السيناريو، وليس عندي معلومات عنه.
هؤلاء سيظلون دائمًا.هؤلاء، إن أردت أن تزيلهم، هم يزيلون الذي أكبر منك، ولن يتركوك. فهذا الذي جعل نتنياهو يذهب إلى فكرة الاتفاق بسبب هذا الصمود، وبسبب صمود كل المقاومة بشكل عام”.
وأكد الشيخ قاسم أن “قوة الرضوان هي جزء من قوة المقاومة، أصابها ما أصاب المقاومة: يعني بالتأكيد توجد خسائر، وتوجد تضحيات، مثلما هو الحال في المقاومة، ومثلما هو الحال في إمكاناتها، ومثلما هو الحال في كل البيئة الموجودة. لكن اليوم، ومع الاستمرارية، فهي مستمرة. هل تألمت؟ نعم. هل خسرت؟ نعم. هل ضحّت؟ نعم. لكنها بعد ذلك موجودة، مثلما المقاومة موجودة اليوم.
قال لي أحدهم: «مولانا، أنت تتحدث عن التعافي، لا تتحدث كثيرًا عنه، لأن الإسرائيلي أخذ عليكم وقالوا: ها قد شفتم؟».
فقلت له: «لماذا؟ هذا الموجود في الشارع الآن وبين الناس، هل هو متعافٍ أم غير متعافٍ؟ ماذا تقول عن التشييع المليوني؟ ما اسمه؟ هل اسمه أن يكون الواحد مريضًا قاعدًا في المستشفى؟ لا، اسمه تعافٍ.
ماذا تقول عن الكشافة الخمسة والسبعين ألفًا؟ هل هؤلاء اسمهم أن يكون الواحد ليس عنده حيل؟هناك أناس يصنعون المستقبل في هذا الموضوع، من هنا أقول: إننا أصبنا بأضرار كثيرة، ودفعنا خسائر كثيرة، وفي تضحيات كبيرة، كلها ظاهرة. لكن مثلما التضحيات واضحة كذلك أننا نمشي على أقدامنا واضح أيضاً.
حسنًا، إذا كان هذا يكفي، مشي الحال. كنا لا نمشي على أقدامنا جيدًا، أصبحنا الآن نمشي على أقدامنا. هذا يكفي، هذا يكفي! وإلا فالأساس ليس السلاح، بل الإيمان والإرادة: هذا الإيمان وهذه الإرادة موجودان عند الطفل لدينا. بل أجتهد وأقول أنهما موجودان في الأجنة.
نحن عندنا في الإسلام أنه أثناء الحمل إذا قرأت المرأة القرآن ، وأكلت التمر، وفعلت بعض الأعمال، فإن الجنين يتأثر بذلك.
فكيف إذا كانت امرأة مجاهدة تدعو الله عز وجل لنصرة المجاهدين وتدفع أولادها للذهاب؟ بالتأكيد، هذا يتعلّم في الداخل.
نحن هكذا.
الآن، يفسّر هؤلاء كما يشاؤون، يعجبهم أو لا يعجبهم، فيقول لك: «والله يظهر عليهم، يؤمنون بالغيب».يظهر أنه نفع هذا الإيمان بالغيب على كل حال فليبقَ من لا يؤمن بالغيب حتى نتميّز عنهم، وحتى يظهر الحق من الباطل.
الحمد لله، نحن كمقاومة موجودون ونؤدي واجباتنا. الأساس في استمرارية المقاومة هو الإيمان والإرادة.
أما الباقي – الذي يسمّى سلاحًا ويسمّى عددًا – فهو من المكمّلات لمن يمتلك الإيمان والإرادة”.
وتطرق إلى مشاعره تجاه رسالة المقاومين المؤثرة له بعد توليه الأمانة العامة للحزب، فقال: “أول فكرة طرأت على بالي بعد شهادة السيدين الجليلين، أنني كنت حين يطلُع سماحة الأمين العام السيد حسن رضوان الله تعالى عليه ليتحدث ويقدّم الموقف، كنتُ واحدًا من الناس – مثلي مثل الجمهور – كنتُ أستأنس وأبتهج وأشعر أنه فتح لي الطريق. فقلت الآن أنا أريد أن أفعل هكذا، وكيف أفعل هكذا.
صارت الناس تريد أن تنظر منّي أن أقدّم شيئًا تحسسّها بالطريقة التي كنتُ أشعر بها كفرد كمجاهد.
بالتأكيد، كان هذا الموضوع مؤثرًا جدًّا بالنسبة لي.
حين قدّم المجاهدون تلك الرسالة، بالتأكيد قدّموها بأحاسيس مفعمة بالحب والأمل والرغبة في إيجاد هذا التواصل والتماسك، لنتمكن معًا من اجتياز هذه المرحلة. فهم يعرفون كم أن هذا يُثقلهم روحيًّا، وفي الوقت نفسه يثقل روحية الأمين العام.
دعني أقول لك شيئًا آخر: لا يظنّنّ أحد أنه حين بعث الأمين العام رسالةً للمجاهدين، هو المتفضّل لأنه يجيب على رسالة، ولأنهم كانوا ينتظرونها. لا، الأمين العام ينتظر رسالتهم كما أنهم ينتظرون رسالته، لأنه يتغذّى منها كما يتغذّون هم.
بالحقيقة رسالة المجاهدين كانت بالنسبة للأمين العام غذاءً. والجواب الذي جاء كان وفق المشاعر، وليس واحدًا جالسٌ يكتب كتابًا منظّمًا ومنقّحًا. أقص عليك قصة بسيطة، الإخوان قالوا لي: «نريد أن نصنع درعًا لنوزّعه على عوائل الشهداء».فأرسلوا لي الرسومات، لأختار واحدةً من أربع. الأخ الذي أرسلها لأنه على قدر كبير من الأدب واللطف، أرسل لي النص الذي يقترح أن يكون في قلب الدرع – على قاعدة أنه يخفف عني أيضًا.
فظهر نصٌّ جميل. فقلت له: «اسمع، أريد أن أعتذر منك. نصّك جميل وحسن، لكنني أحب أن أعبّر عن مشاعري مع الشباب، فاسمح لي أن أكتب نصّي أنا. على الرغم من أن نصّك حسن، وقد يكون أحسن من نصّي، لكن نصّ المشاعر أقوى من النصّ المرتّب».
رسالتي للإخوان كانت هي المشاعر التي كنتُ أعيشها معهم. وأحب أن أقولها لهم – وأقولها الآن لهم – أنتم أعطيتموني زخمًا ودفعًا للإمام، لأنني حين أشعر أنكم العيون والأيدي والبنادق والحماة، وترغبون أن تتواصلوا لتعرفوا هل الأمين العام ملتفت لكم أم لا، معكم أم لا، يسمعكم أم لا…أنا حين أرسلت لكم الرسالة، كنتُ أقول لكم: لستُ فقط معكم، بل أنا جزء منكم، ويشرفني أن أكون واحدًا من المقاومين في الميدان”.
المصدر: الوكالة الوطنية للإعلام



