تحقيق كاتيا شمعون
– يكفي كتابة ” راشيا الوادي” على موقع البحث على الشبكة العنكبوتية حتى “تكر” صفحات النتائج أمامك والأخبار المتعلقة بها من مقالات وافلام قصيرة وتحقيقات.
أمران مثيران للاهتمام في كل المواضيع التي تتحدث عن راشيا الوادي البلدة والقضاء، وهما اولا، كرم أهلها وحرارة استقبالهم للوافد إلى ديارهم، إضافة إلى حماستهم في إظهار مشاعر الفرح والود للقائهم بالضيف. الأمر الثاني، هو ميزة تطبع الفرد اللبناني في كل نقطة وبقعة من ارض لبنان، الا وهي المبادرة الفردية. في معظم، ان لم نقل، في كل ما نشر وقيل عن راشيا الوادي، يعود الفضل إلى مبادرات فردية من أبنائها وتحديدا إلى جمعية اللقاء البيئي RECO في قضاء راشيا التي تاسست في العام 2016 وتعمل بالشراكة في ما بين 18 جمعية متخصصة تحت مظلة واحدة، بهدف تأمين الاستدامة والاستقرار الاجتماعي وحماية البيئة وتمكين الأفراد ورفع مستوى الوعي والمسؤولية البيئية والاجتماعية، كما على الادارة المستدامة للنفايات الصلبة، وعلى السياحة البيئية ومشروع منحل الجمعية، وإطلاق فريق الشباب عبر منصة العمل التطوعي، كذلك تبنّي مرشحات للانتخابات البلدية مع تقديم برنامج تدريبي للمسؤولية البيئية في المجالس البلدية.
السياحة البيئية
حاضرة جمعية “اللقاء البيئي” بقوة ايضاً على الصعيدين الإعلامي والإعلاني للحديث والترويج لراشيا الوادي، لانها الهم الأساسي والقضية المحورية في أهدافها التأسيسية، من هنا كانت فكرة تنظيم رحلة استكشافية لمناسبة انطلاق فعاليات لجنة الأنشطة السياحية للعام 2024، بالشراكة مع البلدية واتحاد بلديات جبل الشيخ، للفنانين ولممثلي الوسائل الإعلامية من مرئية ومكتوبة ومسموعة ومواقع إلكترونية، سمي “يوم الإعلاميين والفنانين في راشيا الوادي”.
رافق الوفد الإعلامي وزير الإعلام في حكومة تصريف الأعمال فريد المكاري، وعضو كتلة “اللقاء الديموقراطي” النائب وائل أبو فاعور ورئيس الجمعية وليد سيف الدين وفاعليات المنطقة السياسية والاجتماعية والبيئية.
الإيمان بالعيش المشترك والصمود كانا العنوانين البارزين اللذين حكي عنها، حيث قال الوزير المكاري:”نحن نؤمن بالعيش المشترك ولا سيما أن لنا جيرانا (في مسقط رأسه اهدن ) كما لكم ونعيش معا بسلام ووئام وقناعة، وهذا موضوع نورثه لأبنائنا”.
أضاف: “المجيء إلى راشيا في هذه الظروف ليس مسألة عابرة، بل على العكس، فيها عودة الى جذور التاريخ لأن الاستقلال انطلق من هنا ولبنان تأسس من هنا، من سجن راشيا، من سجن بعيد من راشيا حوالى 100كلم، واللبنانيون في الصعوبات مدعوون الى الجذور المتأصلة في أهل هذه المنطقة وتاريخها وتقاليدها وعاداتها”.
ابو فاعور
بدوره قال النائب ابو فاعور : “نتمى نقل صورة جميلة عن راشيا التراث والمخزون الروحي التاريخي، راشيا البيئة والعيش الواحد، راشيا الاجتماع الذي في أعلى مراتبه لناحية محبة الناس واحترامهم لبعضهم”، مشددا على ان “صمود الناس في هذه الأرض هو في حد ذاته مقاومة وإرادة حياة واستمرار”.
الاب سعد
رجال السياسة تحدثوا، وايضا خادم كنيسة السيدة في راشيا الأب ابراهيم سعد، تحدث عن جبل الشيخ (او جبل التجلي )حيث يحتفل المسيحيون بعيد تجلي الرب يوم السادس من شهر آب وكيف يرافقهم دروز تلك المنطقة في مسيرة إلى الجبل المقدس، قال: “نعيش عيشا واحدا ونتنفس هواء واحدا، ولدينا حلم أن تسود هذه البيئة الفكرية. أنا على قناعة بأن العائلة الدرزية في راشيا ضرورة لي كالتنفس، ويبادلنا اخواننا الدروز هذا الشعور الذي نسعى لأن نعممه وينتقل عبر الاعلام الى كل لبنان”.
الرحلة
من بيروت إلى راشيا الوادي 85 كلم، يضاف اليها نحو 30 كلم للإنطلاق من جونية -كسروان. الباصات كانت بانتظارنا، انطلقنا والطريق كان طويلا وصعبا نظرا لسوء شبكة الطرقات التي كان من المفترض حسب الملايين او المليارات التي صرفت لدراسة ورسم وتنفيذ “جسور الهواء” ان تكون “سهلة”، لكن الوصول ينفض عناء الرحلة والمشاهد التي تخيم على بعض المناطق المحيطة. راشيا هي كناية عن بقعة او واحة فيها سهول جميلة مرت يد الحصَاد فيها، وتلال لطيفة تعكس لطف أهلها، تجلس تحت نظر قمم جبل حرمون أو المعروف أيضًا بجبل الشيخ حيث تجلى الرب.
استهل اللقاء بكلمات الـ “اهلا وسهلا” والابتسامات القلبية، ثم بفطور صباحي من أطايب راشيا في مقر جمعية “اللقاء البيئي” في “نيو راشيا”، وكلمة ترحيبية لرئيس الجمعية وليد سيف الدين. ولمحة عن المنتجات المحلية وتوزيع هدايا تذكارية، بعدها جولة في السوق الأثري وسط البلدة الذي هو “محاط بقرابة 36 بناء قديما، مرصوصا بالحجارة بشكل هندسي متقن وطوله 250 مترا، يعود تاريخه إلى القرن السابع عشر. وقد تم رصفه عام 1927 بإشراف السلطات الفرنسية من قبل المعلم الشويري شكري عبد الأحد، اهتمت حينها وزارة السياحة بإعادة ترميمه وإنارته عام 1997 ويصنف من الأسواق الأثرية وهو السوق التراثي الوحيد في منطقة البقاع”.
ثم جولة على كنيسة السيدة للروم الملكيين الكاثوليك وعمرها 144 عاما، حيث يقول لنا القيم عليها :” كل الحق على الغربة عم بتخسرنا ولادنا”، وقربها كنيسة السيدة للروم الأرثوذكس (عمرها اكثر من 250 عاما) واستقبال في صالونها من قبل الكاهن إبراهيم سعد والأهالي وتذوق للشراب المحلي اي الدبس المخلوط بالمياه.
إلى جولة سيرا على الأقدام بين احياء راشيا القديمة وصولا إلى قلعتها (قيد الترميم)، “التي تعود إلى القرن الحادي عشر حين اهتم الصليبيون ببناء برج لحماية قوافل التجار الآتين من فلسطين نحو بلاد الشام ونقطة مراقبة وحماية لمواكب الحجاج والمسافرين عبر وادي التيم من دمشق الى القدس في فلسطين”.
تقع راشيا الوادي في محافظة البقاع في قلب “وادي التيم” “عند سفح جبل حرمون أو المعروف أيضًا بجبل الشيخ او الجبل المقدس، تعني في اللغة السريانية ” القمة ” وسميت راشيا بهذا الاسم توافقا ً مع موقعها الجغرافي المنحدر فوق هضب عالية . ودعيت براشيا الوادي نسبة الى وادي التيم وتمييزا ً لها عن جارتها الجنوبية راشيا الفخار”.
كانت معقلا لحكم الأمراء الشهابيين في العهدين الصليبي والمملوكي، فالأمير بشير الشهابي الأول هو من راشيا. وارتبط اسمها “باستقلال لبنان في الثاني والعشرين من تشرين الثاني 1943، وخروج قوات الانتداب الفرنسية عن أراضيه، وذلك بعد أحد عشر يوماً من اعتقال عدد من القيادات الوطنية في زنزانات منفردة في قلعة البلدة التاريخية، وعلى رأسهم رئيسا الجمهورية والحكومة آنذاك بشارة الخوري، ورياض الصلح، والوزراء: كميل شمعون، وسليم تقلا، وعادل عسيران، والزعيم الطرابلسي عبدالحميد كرامي، ما دفع اللبنانيين، شعباً وقيادات وأحزاباً، إلى انتفاضة عارمة انتهت بإطلاق المعتقلين، واعتراف الحكومة الفرنسية باستقلال لبنان الكامل والناجز”.
إذا، راشيا الوادي هي مساحة للعيش المشترك والتراث وحيث مرت الحضارات المختلفة وكتب التاريخ القديم والحديث عن أبناء وطن واحد أرادوا العيش معا بسلام، وكانت نقطة الالتقاء حين حضنت قلعتها رجالات الاستقلال وانطلقت منها شرارة الحرية، وهي اليوم كما باقي قرى لبنان الجميلة تحضرت وتنتظر اولادها والضيوف لزيارتها.